236

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ایڈیٹر

سيد إبراهيم

ناشر

دار الحديث

ایڈیشن

الأولى

اشاعت کا سال

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

پبلشر کا مقام

القاهرة - مصر

اصناف

كَمَا أَهْلَكَ سُبْحَانَهُ الْأُمَمَ الْمُكَذِّبِينَ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، وَأَصَابَ الْعَذَابُ الْأَطْفَالَ وَالْبَهَائِمَ وَمَنْ لَمْ يُذْنِبْ، وَكَذَلِكَ إِذَا عَصَاهُ أَهْلُ الْأَرْضِ أَمْسَكَ عَنْهُمْ قُطْرَ السَّمَاءِ، فَيُصِيبُ ذَلِكَ الْعَذَابُ الْبَهَائِمَ وَالْوُحُوشَ فِي الْفَلَوَاتِ، فَتَمُوتُ الْحَبَارَى فِي وُكُورِهَا هَزْلًا بِخَطَايَا بَنِي آدَمَ، وَيَمُوتُ الضَّبُّ فِي جُحْرِهِ جُوعًا، وَقَدْ أَغْرَقَ اللَّهُ أَهْلَ الْأَرْضِ كُلَّهُمْ بِخَطَايَا قَوْمِ نُوحٍ، وَفِيهِمُ الْأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ، فَالْعُقُوبَةُ الْإِلَهِيَّةُ الَّتِي اشْتَرَكَ النَّاسُ فِي أَسْبَابِهَا تَأْتِي عَامَّةً، وَقَدْ كُسِرَ الصَّحَابَةُ ﵃ يَوْمَ أُحُدٍ بِذُنُوبِ أُولَئِكَ الَّذِينَ عَصَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَخْلَوْا مَرْكَزَهُمْ، وَانْهَزَمُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ لِمَا حَصَلَ لِبَعْضِهِمْ مِنَ الْإِعْجَابِ بِكَثْرَتِهِمْ، فَعَمَّتِ عُقُوبَةُ ذَلِكَ الْإِعْجَابَ، وَهَذَا عَيْنُ الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: فَهَلَّا خَصَّتِ الْعُقُوبَةُ صَاحِبَ الْجَرِيمَةِ؟ فَيُقَالُ: الْعُقُوبَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَبْقَى آيَةً وَعِبْرَةً وَمَوْعِظَةً، لَوْ وَقَعَتْ خَاصَّةً لَارْتَفَعَتِ الْحِكْمَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا، وَفَاتَتِ الْعِبْرَةُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِلنَّاسِ أَنَّهَا بِذَلِكَ السَّبِيلِ، بَلْ لَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: قَدَرًا اتَّفَقَ، وَإِذَا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَمَنْ يُثَابُ فِي الْآخِرَةِ مُعَجَّلٌ لَهُ الرَّاحَةُ فِي الدُّنْيَا بِالْمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَتَدَاخَلُ الثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ لَا يُثَابُ كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ مَوْتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتَعَجَّلُ الرَّاحَةَ وَمَا يُصِيبُهَا مَنْ أَلَمِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، فَهُوَ مِنْ لِوَازِمِ الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ مِثْلَ الَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ أَلَمِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْحَبْسِ فِي بُيُوتِهَا الَّتِي مَصْلَحَتُهَا أَرْجَحُ مِنْ مَفْسَدَةِ مَا يَنَالُهَا، وَهَكَذَا مُصْلَحَةُ هَذِهِ الْعُقُوبَةُ الْعَامَّةِ وَجَعْلُهَا عِبْرَةً لِلْأُمَمِ أَرْجَحُ مِنْ مَفْسَدَةٍ تَأَلُّمِ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ.
[فصل حكمة الله تعالى في خلق الضدين]
فَصْلٌ
اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ حِكْمَةِ الرَّبِّ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ خَلْقُ الضِّدَّيْنِ، إِذْ بِذَلِكَ تُعْرَفُ رُبُوبِيَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ، كَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ، وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ، وَالدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، وَالْأَلَمِ وَاللَّذَّةِ، وَالْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، فَمِنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ خَلْقُال جِبْرِيلَ وَخَلْقُكَ، فَخَلْقَ أَطْيَبَ الْأَرْوَاحِ وَأَزْكَاهَا وَأَطْهَرِهَا وَأَفْضَلِهَا، وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ كُلُّ خَيْرٍ، وَخَلَقَ أَنْجَسَ الْأَرْوَاحِ وَأَخْبَثِهَا وَأَرْدَاهَا وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ كُلُّ شَرٍّ وَكُفْرٍ وَفُسُوقٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَجَعَلَ الطَّيِّبَ مُنْحَازًا إِلَى تِلْكَ الرُّوحِ، وَالْخَبِيثَ مُنْحَازًا إِلَى هَذِهِ الرُّوحِ، فَتِلْكَ مِغْنَاطِيسُ كُلِّ طَيِّبٍ وَهَذِهِ مِغْنَاطِيسُ كُلِّ خَبِيثٍ، وَأَيُّ حِكْمَةٍ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا؟

1 / 251