222

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

تحقیق کنندہ

سيد إبراهيم

ناشر

دار الحديث

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

پبلشر کا مقام

القاهرة - مصر

اصناف

[فصل استدلال الجبرية بقوله تعالى لا يسأَل عما يفعل]
فَصْلٌ
أَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْجَبْرِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ [الأنبياء: ٢٣] فَدَلِيلٌ حَقٌّ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى بَاطِلٍ، فَإِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ تَوْحِيدِهِ سُبْحَانَهُ وَبُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ مَا سِوَاهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ عَدَاهُ مَرْبُوبٌ مَأْمُورٌ مَنْهِيٌّ مَسْئُولٌ عَنْ فِعْلِهِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ لَيْسَ فَوْقَهُ مَنْ يَسْأَلُهُ عَمَّا يَفْعَلُهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ - لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ - لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١ - ٢٣] فَلَمْ تَكُنِ الْآيَةُ مَسُوقَةً لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ بِحِكْمَةٍ وَلَا لِغَايَةٍ مَحْمُودَةٍ مَطْلُوبَةٍ بِالْفِعْلِ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِلَا حِكْمَةٍ وَلَا سَبَبٍ وَلَا غَايَةٍ، بَلِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لِكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَأَنَّ أَفْعَالَهُ صَادِرَةٌ عَنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، فَكَمَالُ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ يُنَافِي اعْتِرَاضَ الْمُعْتَرِضِينَ عَلَيْهِ وَسُؤَالَ السَّائِلِينَ لَهُ، وَهُمْ حَمَّلُوا الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُهُ لِقَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَدْحٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ تَضَمَّنَ مَدْحًا مِنْ جِهَةِ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، وَإِنَّمَا الْمَدْحُ التَّامُّ أَنْ يَتَضَمَّنَ ذَلِكَ حِكْمَتَهُ حَمْدَهُ وَوُقُوعَ أَفْعَالِهِ عَلَى أَتَمِّ الْمَصَالِحِ، وَمُطَابَقَتَهُ لِلْحِكْمَةِ وَالْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ، فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُهُ لِكَمَالِ مُلْكِهِ وَكَمَالِ حَمْدِهِ، فَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَاسْتِدْلَالُ نُفَاةِ الْحِكْمَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَاسْتِدْلَالِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] وَالْآيَتَانِ دَالَّتَانِ عَلَى ضِدِّ قَوْلِ الطَّائِفَتَيْنِ، فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لِكَمَالِ صِفَاتِهِ الَّتِي بِكَمَالِهَا وَقِيَامِهَا بِهِ لَمْ يَكُنْ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لِكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ» " فَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْجَمِيعُ قَضَاؤُهُ وَالْجَمِيعُ عَدْلٌ مِنْهُ فِي عَبْدِهِ، لَا بِمَعْنَى كَوْنِهِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ، بَلْ بِوَضْعِ الْقَضَاءِ فِي مَوْضِعِهِ وَإِصَابَةِ مَحَلِّهِ، فَكُلُّ مَا قَضَاهُ عَلَى عَبْدِهِ فَقَدْ وَضَعَهُ مَوْضِعَهُ اللَّائِقَ بِهِ وَأَصَابَ بِهِ مَحَلَّهُ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَظْلِمْهُ بِهِ، أَمَّا الْعُقُوبَاتُ وَالْمَصَائِبُ فَالْأَمْرُ فِيهَا ظَاهِرٌ، إِذْ هِيَ عَدْلٌ مَحْضٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] .

1 / 237