مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
تحقیق کنندہ
سيد إبراهيم
ناشر
دار الحديث
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
پبلشر کا مقام
القاهرة - مصر
اصناف
وَالْمَعْنَى عِنْدَ الْجَبْرِيَّةِ أَنَّا تَصَرَّفْنَا بِقُدْرَتِنَا وَمَشِيئَتِنَا وَمُلْكِنَا فَلَمْ نَظْلِمْهُمْ وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مُحْسِنِينَ، وَلَيْسَتِ الْأَعْمَالُ وَالسَّيِّئَاتُ وَالْكُفْرُ عِنْدَهُمْ أَسْبَابًا لِلْهَلَاكِ وَلَا مُقْتَضِيَةً لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ الْمَشِيئَةِ، وَالْقُرْآنُ يُكَذِّبُ هَذَا الْقَوْلَ وَيَرُدُّهُ كَقَوْلِهِ: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٠]، وَقَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٥٥]، وَقَوْلِهِ: ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١١]، ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح: ٢٥]، ﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا﴾ [النمل: ٨٥]، ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠] وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ هَذَا.
فَالظُّلْمُ الَّذِي أَثْبَتَ اللَّهُ لَهُمْ وَجَعَلَهُ نَفْسَ فِعْلِهِمْ وَسَبَبَ هَلَاكِهِمْ نَفَوْهُ، وَقَالُوا: لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَلَا سَبَبَ إِهْلَاكِهِمْ، وَالظُّلْمُ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ عُقُوبَتُهُمْ بِلَا سَبَبٍ أَثْبَتُوهُ لَهُ، وَقَالُوا: لَيْسَ بِظُلْمٍ، فَإِنَّهُ مَقْدُورٌ مُمْكِنٌ، فَنَزَّهُوهُ عَمَّا عَابَهُمْ بِهِ وَوَصَفُوهُ بِمَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ، وَاعْتَقَدُوا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ بِهِ عَارِفُونَ وَلِأَهْلِ السُّنَّةِ نَاصِرُونَ، وَلَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُنْفَى عَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، فَإِنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِهِ لَا يَمْدَحُ الْمَمْدُوحَ بِعَدَمِ إِرَادَتِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَدْحُ بِتَرْكِ مَا يَقْدِرُ الْمَمْدُوحُ عَلَى فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ تَنْزِيهًا عَمَّا فَعَلَهُ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُمْدَحُ الْمَوْتَى بِتَرْكِ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ؟ وَكَيْفَ يُمْدَحُ الزَّمِنُ بِتَرْكِ طَيَرَانِهِ إِلَى السَّمَاءِ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِتَحْرِيمِهِ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْإِلَهِيِّ: " «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي» " أَنْ أَخْلُقَ مِثْلِي، أَوْ أَجْمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ أَقْلِبَ الْقَدِيمَ حَادِثًا وَالْحَادِثَ قَدِيمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ التَّكَلُّمُ بِهِ إِلَى آحَادِ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَغَايَةُ مَا يُقَالُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ تَحْسِينِ الْعِبَارَةِ وَزَخْرَفَتِهَا إِنِّي أَخْبَرْتُ عَنْ نَفْسِي أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مَقْدُورًا أَوْ يَكُونُ مُسْتَحِيلًا لَا يَقَعُ مِنِّي، وَهَذَا مِمَّا يَقْطَعُ مَنْ لَهُ فَهْمٌ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ ﷺ عَنْ إِرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَلِيقُ التَّمَدُّحُ وَالتَّعَرُّفُ إِلَى عِبَادِهِ بِمِثْلِهِ.
1 / 235