مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
تحقیق کنندہ
سيد إبراهيم
ناشر
دار الحديث
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
پبلشر کا مقام
القاهرة - مصر
اصناف
الْقَمَرِ مِنْ حَرْثِ الْأَرْضِ وَقَطْعِ الزَّرْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَجَعَلَ ضَوْءَ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلِ مَعُونَةً لِلنَّاسِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ، وَجَعَلَ فِي الْكَوَاكِبِ جُزْءًا يَسِيرًا مِنَ النُّورِ لِيَسُدَّ مَسَدَّ الْقَمَرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ، وَجُعِلَتْ زِينَةُ السَّمَاءِ مَعَالِمَ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَدَلَالَاتٌ وَاضِحَاتٌ عَلَى الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ الَّتِي بِهَا انْتِظَامُ هَذَا الْعَالَمِ، وَجُعِلَتِ الشَّمْسُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْحِكَمُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْحِكَمُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ جَعْلِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نُورُهُ مِنَ التَّبْرِيدِ وَالتَّصَلُّبِ مَا يُقَابِلُ مَا فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ مِنَ التَّسْخِينِ وَالتَّحْلِيلِ، فَتَنْضَمُّ الْمُصْلِحَةُ وَتَتِمُّ الْحِكْمَةُ مِنْ هَذَا التَّسْخِينِ وَالتَّبْرِيدِ.
ثُمَّ تَأَمَّلِ اللُّطْفَ وَالْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ فِي جَعْلِ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَاتِ وَمَنَازِلِهَا تَظْهَرُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَتَحْتَجِبُ فِي بَعْضِهَا، لِأَنَّهَا لَوْ ظَهَرَتْ دَائِمًا أَوِ اخْتَفَتْ دَائِمًا لَفَاتَتِ الْحِكْمَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْهَا، كَمَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْضُهَا وَيَحْتَجِبَ بَعْضُهَا، فَلَا تَظْهَرُ كُلُّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَلَا تَحْتَجِبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، بَلْ يَنُوبُ ظَاهِرُهَا عَنْ خَفِيِّهَا فِي الدَّلَالَةِ، وَجَعَلَ بَعْضَهَا ظَاهِرًا لَا يَحْتَجِبُ أَصْلًا بِمَنْزِلَةِ الْأَعْلَامِ الْمَنْصُوبَةِ الَّتِي يَهْتَدِي بِهَا النَّاسُ فِي الطُّرُقِ الْمَجْهُولَةِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا مَتَى أَرَادُوا وَيَهْتَدُونَ بِهَا حَيْثُ شَاءُوا.
ثُمَّ تَأَمَّلْ حَالَ النُّجُومِ وَاخْتِلَافَ مَسِيرِهَا، فَفِرْقَةٌ مِنْهَا لَا تَرِيمُ مَرَاكِزَهَا مِنَ الْفَلَكِ وَلَا تَسِيرُ إِلَّا مُجْتَمِعَةً كَالْجَيْشِ الْوَاحِدِ، وَفِرْقَةٌ مِنْهَا مُطْلَقَةٌ تَنْتَقِلُ فِي الْبُرُوجِ وَتَتَفَرَّقُ فِي مَسِيرِهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَسِيرُ سَيْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَامٌّ مَعَ الْفَلَكِ نَحْوَ الْمَغْرِبِ، وَالْآخَرُ خَاصٌّ لِنَفْسِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَاتِ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ وَعَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ صَارَ هَذَا الْفَلَكُ بِشَمْسِهِ وَقَمَرِهِ وَنُجُومِهِ وَبُرُوجِهِ يَدُورُ عَلَى هَذَا الْعَالَمِ هَذَا الدَّوَرَانَ الْعَظِيمَ السَّرِيعَ الْمُسْتَمِرَّ بِتَقْدِيرٍ مُحْكَمٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَلَا يَخْتَلُّ نِظَامُهُ، بَلْ هُوَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، كَمَا أَشَارَ تَعَالَى إِلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ صَادِرٌ عَنْ كَمَالِ عِزَّتِهِ وَعِلْمِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦] .
وَتَأَمَّلِ الْحِكْمَةَ فِي تَعَاقُبِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ عَلَى هَذَا الْعَالَمِ وَتَعَاوُرِهِمَا عَلَيْهِمَا فِي
1 / 229