199

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

تحقیق کنندہ

سيد إبراهيم

ناشر

دار الحديث

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

پبلشر کا مقام

القاهرة - مصر

اصناف

خَشْيَةَ التَّشْبِيهِ، وَقَالُوا: هُوَ وُجُودٌ مَحْضٌ لَا مَاهِيَّةَ لَهُ، وَنَفَى آخَرُونَ وُجُودَهُ بِالْكُلِّيَّةِ خَشْيَةَ التَّشْبِيهِ، وَقَالُوا: يَلْزَمُ فِي الْوُجُودِ مَا يَلْزَمُ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ وَالْكَلَامِ وَالْعُلُوِّ، فَنَحْنُ نَسُدُّ الْبَابَ بِالْكُلِّيَّةِ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ فِي هَذَا قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ نَافِعَةٌ جِدًّا هِيَ: أَنَّ نَفْيَ الشَّبِيهِ وَالْمِثْلِ وَالنَّظِيرِ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ صِفَةَ مَدْحٍ وَلَا كَمَالٍ، وَلَا يُمْدَحُ بِهِ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ، فَإِنَّ الْعَدَمَ الْمَحْضَ الَّذِي هُوَ أَخَسُّ الْمَعْلُومَاتِ وَأَنْقَصُهَا يُنْفَى عَنِ الشَّبَهِ وَالْمِثْلِ وَالنَّظِيرِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَمَالًا وَلَا مَدْحًا، إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَ كَوْنَ مَنْ نَفَى عَنْهُ ذَلِكَ قَدِ اخْتَصَّ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ بِصِفَاتٍ بَايَنَ بِهَا غَيْرَهُ، وَخَرَجَ بِهَا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَظِيرٌ أَوْ مِثْلٌ، فَهُوَ لِتَفَرُّدِهِ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ صَحَّ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ الشَّبَهَ وَالْمَثِيلَ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ وَلَا حَيَاةَ وَلَا عِلْمَ وَلَا كَلَامَ وَلَا فِعْلَ: لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ وَلَا شَبَهٌ وَلَا نَظِيرٌ، إِلَّا فِي بَابِ الذَّمِّ وَالْعَيْبِ، هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ فِطَرُ النَّاسِ وَعُقُولُهُمْ وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ كَمَا قِيلَ:
لَيْسَ كَمِثْلِ الْفَتَى زُهَيْرٌ ... خَلْقٌ يُسَاوِيهِ فِي الْفَضَائِلِ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ ():
فَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ إِلَّا مُمَلَّكًا ... أَبُو أَمُّهُ حَيٌّ أَخُوهُ يُقَارِبُهُ
أَيْ فَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ حَيٌّ يُقَارِبُهُ إِلَّا مُمَلَّكًا هُوَ أَخُوهُ، فَعَكَسَ الْمُعَطِّلَةُ الْمَعْنَى فَجَعَلُوا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] جُنَّةً يَتَتَرَّسُونَ بِهَا لِنَفْيِ عُلُوِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عَرْشِهِ وَتَكْلِيمِهِ لِرُسُلِهِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ كَمَالِهِ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ كُلَّ سَلْبٍ وَنَفْيٍ لَا يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتًا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِهِ، لِأَنَّهُ عَدَمٌ مَحْضٌ وَنَفْيٌ صِرْفٌ لَا يَقْتَضِي مَدْحًا وَلَا كَمَالًا، وَلِهَذَا كَانَ تَسْبِيُحُهُ وَتَقْدِيسُهُ مُسْتَلْزِمَيْنِ لِعَظَمَتِهِ وَمُتَضَمِّنَيْنِ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَإِلَّا فَالْمَدْحُ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ كَلَا مَدْحٍ، وَلِهَذَا كَانَ عَدَمُ السُّنَّةِ وَالنَّوْمِ مَدْحًا وَكَمَالًا فِي حَقِّهِ لِتَضَمُّنِهِ أَوِ اسْتِلْزَامِهِ كَمَالَ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ، وَنَفْيُ اللُّغُوبِ عَنْهُ كَمَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَنَفْيُ النِّسْيَانِ عَنْهُ كَمَالٌ لِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ عِلْمِهِ، وَكَذَلِكَ نَفْيُ عُزُوبِ شَيْءٍ عَنْهُ وَنَفْيُ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ كَمَالٌ

1 / 214