مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
تحقیق کنندہ
سيد إبراهيم
ناشر
دار الحديث
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
پبلشر کا مقام
القاهرة - مصر
اصناف
فَإِنْ قَالُوا: إِنَّمَا نُقَدِّمُ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ اثْنَانِ عَلَى نُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ رَمَوُا الْأَنْبِيَاءَ بِمَا هُمْ أَبْعَدُ الْخَلْقِ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ جَاءُوا بِمَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ، هَذَا وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بِشَهَادَتِهِ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ أَنَّ طَرِيقَةَ الرَّسُولِ ﷺ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْبُرْهَانِيَّةُ لِلْحِكْمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء: ١٧٤]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء: ١١٣] فَالطَّرِيقَةُ الْبُرْهَانِيَّةُ هِيَ الْوَارِدَةُ بِالْوَحْيِ النَّاظِمَةُ لِلرُّشْدِ، الدَّاعِيَةُ إِلَى الْخَيْرِ، الْوَاعِدَةُ لَحُسْنِ الْمَآبِ الْمُبَيِّنَةُ لِحَقَائِقِ الْأَنْبَاءِ، الْمُعَرِّفَةُ بِصِفَاتِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَنَّ الطَّرِيقَةَ التَّقْلِيدِيَّةَ التَّخْمِينِيَّةَ هِيَ الْمَأْخُوذَةُ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَالنَّتِيجَةِ وَالدَّعْوَى الَّتِي لَيْسَ مَعَ أَصْحَابِهَا إِلَّا الرُّجُوعُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ يُونَانَ وَضَعَ بِعَقْلِهِ قَانُونًا يُصَحِّحُ بِزَعْمِهِ عُلُومَ الْخَلَائِقِ وَعُقُولَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ عَاقِلٌ تَصْحِيحَ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ عُلُومِ بَنِي آدَمَ، بَلْ مَا وُزِنَ بِهِ عِلْمٌ إِلَّا أَفْسَدَهُ، وَمَا بَرَعَ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا انْسَلَخَ مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ كَانْسِلَاخِ الْقَمِيصِ عَنِ الْإِنْسَانِ.
[إتمام الله لدينه لا يحوجنا إلى العقل]
الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَمَّمَ الدِّينَ بِنَبِيِّهِ ﷺ وَكَمَّلَهُ بِهِ، وَلَمْ يُحْوِجْهُ هُوَ وَلَا أُمَّتَهُ إِلَى عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ سِوَاهُ وَلَا رَأْيٍ وَلَا مَنَامٍ وَلَا كَشْفٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْوَحْيِ فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٥١] ذَكَرَ هَذَا جَوَابًا لِطَلَبِهِمْ آيَةً تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَكْفِيهِمْ مِنْ كُلِّ آيَةٍ، فَلَوْ كَانَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَعَنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُنَاقِضُ الْعَقْلَ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَافِيًا، وَسَيَأْتِي فِي الْوَجْهِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بَيَانُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْعَقْلِ عَلَى النَّقْلِ يُبْطِلُ كَوْنَ الْقُرْآنِ آيَةً وَبُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ تَمَّمَ الدِّينَ وَأَكْمَلَهُ بِنَبِيِّهِ ﷺ وَمَا بَعَثَهُ بِهِ فَلَمْ يُحْوِجْ أُمَّتَهُ إِلَى سِوَاهُ، فَلَوْ عَارَضَهُ الْعَقْلُ وَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا لِلْأُمَّةِ وَلَا تَامًّا فِي نَفْسِهِ، وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «رَأَى بِيَدِ عُمَرَ وَرَقَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنَ
1 / 115