153

Mukhtasar Minhaj as-Sunnah an-Nabawiyyah

مختصر منهاج السنة النبوية

ناشر

دار الصديق للنشر والتوزيع، صنعاء - الجمهورية اليمنية

ایڈیشن

الثانية، 1426 هـ - 2005 م

من إمام عاجز عنها كان جاهلا ظالما، ومن استعان عليها بمن هو قادر عليها كان عالما مهتديا مسددا، فهذا يحصل مصلحة دينه ودنياه، والأول تفوته مصلحة دينه ودنياه.

الوجه الثامن: أن يقال: دعوى كون جميع الخلفاء كانوا مشتغلين بما ذكره من الخمور والفجور كذب عليهم، والحكايات المنقولة في ذلك فيها ما هو كذب، وقد علم أن فيهم العدل الزاهد كعمر بن عبد العزيز والمهدي بالله، وأكثرهم لم يكن مظهرا لهذه المنكرات من خلفاء بني أمية وبني العباس، وإن كان أحدهم قد يبتلى ببعض الذنوب، وقد يكون تاب منها، وقد يكون له حسنات كثيرة تمحو تلك السيئات، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه خطاياه. ففي

الجملة الملوك حسناتهم كبار وسيئاتهم كبار، والواحد من هؤلاء وإن كان له ذنوب ومعاص لا تكون لآحاد المؤمنين، فلهم من الحسنات ما ليس لآحاد المسلمين: من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وجهاد العدو، وإيصال كثير من الحقوق إلى مستحقيها، ومنع كثير من الظلم، وإقامة كثير من العدل.

ونحن لا نقول: إنهم كانوا سالمين من المظالم والذنوب، كما لا نقول: إن أكثر المسلمين كانوا سالمين من ذلك، لكن نقول: وجود الظلم والمعاصي من بعض المسلمين وولاة أمورهم وعامتهم لا يمنع أن يشارك فيما يعمله من طاعة الله.

وإن قال: مرادي بهؤلاء الأئمة الاثنا عشر. قيل له: ما رواه علي بن الحسين وأبو جعفر وأمثالهما من حديث جدهم، فمقبول منهم كما يرويه أمثاله. ولولا أن الناس وجدوا عند مالك والشافعي وأحمد أكثر مما وجدوه عند موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، لما عدلوا عن هؤلاء إلى هؤلاء. وإلا فأي غرض لأهل العلم والدين أن يعدلوا عن موسى بن جعفر إلى مالك بن أنس، وكلاهما من بلد واحد، في عصر واحد؟

فإن زعم زاعم أنه كان عندهم من العلم المخزون ما ليس عند أولئك لكن كانوا يكتمونه، فأي فائدة للناس في علم يكتمونه؟ فعلم لا يقال به ككنز لا ينفق منه، وكيف يأتم الناس بمن لا يبين لهم العلم المكتوم، كالإمام المعدوم، وكلاهما لا ينتفع به، ولا يحصل به لطف ولا مصلحة. وإن قالوا: بل كانوا يبينون ذلك لخواصهم دون هؤلاء الأئمة. قيل: أولا: هذا كذب عليهم، فإن جعفر بن محمد لم يجيء بعده مثله. وقد أخذ العلم عنه هؤلاء الأئمة، كمالك، وابن عيينة، والثوري، وابن جريج، ويحيى بن سعيد، وأمثالهم من العلماء المشاهير الأعيان.

ثم من ظن بهؤلاء السادة أنهم يكتمون علمهم ويخصون به قوما مجهولين ليس لهم في الأمة لسان صدق، فقد أساء الظن بهم؛ فإن في هؤلاء من المحبة لله

صفحہ 158