والدليل على أنها ليست بمتحيزة وجهان، أحدهما أنها لو كانت متحيزة لوجب أن تكون متماثلة وأن تكون مماثلة للأجسام لأن التحيز لا يكون إلا مقتضى عن صفة الذات والاشتراك في المقتضى يوجب الاشتراك في المقتضي وهو صفة الذات. فكان يجب أن يكون السواد والبياض مثلين لاشتراكهما في التحيز متضادين لاختلافهما في الصفتين الذاتيتين وهو كون a السواد سوادا وكون البياض بياضا وكونهما متماثلين مختلفين محال كما تقدم. وكذلك الكلام في سائر الأعراض المدركة السبعة. وكذلك يجب أن تكون مماثلة للأجسام لمشاركتها لها في التحيز مخالفة لها لأنها لم تشاركها في صفاتها الذاتية نحو كون السواد سوادا وكون البياض بياضا وكون الحموضة حموضة وكون الحلاوة حلاوة وغير ذلك من صفات الأعراض الذاتية، فكان يجب أن تكون مماثلة للأجسام ومخالفة لها وذلك محال.
والوجه الثاني في الدلالة على أن هذه الأجناس المدركة ليست بمتحيزة أن الجوهر الواحد قد يكون له لون ورائحة وطعم وحرارة وبرودة فلو كانت هذه المعاني متحيزة لما صح وجودها معا في جوهر واحد. ألا ترى أن الجوهرين لما كانا متحيزين لم يصح أن يكون الجوهر الواحد جهة لهما في حالة واحدة وأن يوجدا فيه دفعة واحدة أو أحدهما، وإنما استحال ذلك لكونهما متحيزين بدليل أنهما لو لم يكونا متحيزين لصح وجودهما في جوهر واحد. فلو كانت هذه المعاني متحيزة لما صح اجتماعها في جوهر واحد ومعلوم صحة ذلك، فثبت أنها ليست بمتحيزة. فهذا هو الكلام في الأعراض المدركة.
صفحہ 140