بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على سبوغ النعم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم.
الباب الأول
في تعليم العلم
قال: »تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، والبحث عنه جهاد، ومذكراته تسبيح، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام«، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: »تعليم العلم فريضة على كل مسلم حالم* من ذكر أو أنثى حرا كان أو عبدا«، وقال: »اطلبوا العلم ولو بالصين وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء لما يطلب، فمن تعلم العلم لله لم يجز منه بابا إلا ازداد في نفسه تواضعا ولله خوفا، وفي الدين اجتهادا ورغبة، وفي نفسه ذلا وفي الناس تواضعا، فليكثر من العلم إذا كان على هذه الصفة«.
ومن غير الكتاب: وقيل: [كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابع فتهلك، وقيل: الناس ثلاثة: عالم ومتعلم وسائرهم همج رعاع، وقيل: العلماء غرباء لكثرة الجهال، وقيل: إذا مات عالم انثلم في الإسلام ثلمة* لا يسدها شيء إلى يوم القيامة، وقيل: من خدم عالما فكأنما خدم سبعين نبيا، وقيل: مكتوب على باب الجنة: من زار علمائي فكأنما زار أنبيائي، رجع]*.
ومن طلب العلم للدنيا وللحظوة عند السلطان لم يجز منه بابا إلا ازداد في نفسه عظمة، وعلى الناس استطالة، وبالله اغترارا، وعن طاعة الله توانيا، فليمسك عن هذا ويذكر حجة الله عليه »فأول ما ابتدأ نابه في العلم تعليم القرآن«.
صفحہ 3
ويروى أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: علمني العلم، فقال له: علمني العلم، فقال: »اذهب فتعلم القرآن«، ثم عاد إليه ثانية، فقال له مثل ذلك، ثم عاد إليه ثالثة فقال له مثل ذلك ثم عاد إليه في الرابعة: »اقبل الحق ممن جاءك به، أجنبيا كان أو قريبا، ورد الباطل على ما جاءك به حبيبا كان أو بغيضا، وتعلم القرآن ومل معه حيث مال لأنه معالم الحلال والحرام «، وقد روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال: »خيركم من تعلم القرآن وعلمه«، وروي عنه - عليه السلام - أنه قال: »هذا القرآن مأدبة لله، فتعلموا مأدبة الله ما استطعتم وإن لقارئ القرآن لكل حرف منه عشر حسنات، وقد قال تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } والذكر هو القرآن.
الباب الثاني
في* ذكر ما لا يسع جهله
والذي لا يسع جهله على كل عالم عاقل بالغ الحلم معرفة الله تعالى أنه واحد ليس كمثله شيء، وأنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله وأن ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله فهو الحق المبين، وأنه صادق فيما قاله مما أمر به أو نهى عنه، فمن أقر بهذه الجملة وصدق بها فقد أقر بدين محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد آمن بما جاء به من علم الله في الجملة التي أقر بها وصدق بها في الجملة من دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإن هو رد شيئا منها أو أنكر شيئا من هذه الجملة كان مشركا، وإن شك في شيء من هذه الجملة لم يسعه ذلك، وقد قامت عليه الحجة وأتته به الرسالة.
صفحہ 4
ذكر الإسلام: والإسلام هو الاستسلام لأمر الله، والانقياد له بالطاعة فيما أقر به من جملة الإسلام مما أمره به من أداء الفرائض، والعمل باللازم، وترك المحارم، والانتهاء من المظالم كلها، وتحريم ما حرم الله، واستحلال ما أحل الله، والإيمان هو التصديق بجملة الإسلام والطاعة له والعمل بها، ومما يجب على العبد الإيمان به: أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وأنبيائه وما جاءوا به، والبعث والحساب، والجنة والنار، وأن لله ثوابا لا يشبهه ثواب، وعقابا لا يشبهه عقاب، وأن وعده ووعيده حق وأنه لا يخلف وعده ولا يبطل وعيده وأنه صادق في كل ما قال.
الباب الثالث
في معرفة التوحيد
وعلى العبد معرفة خاله وأنه الله الذي أحياه ورزقه، وأن الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، لم يلد ولم يولد، عالم سميع بصير، قادر لطيف خبير، الرءوف الرحمن الرحيم، العزيز الحكيم، العدل الذي لا يجور*، الغني العلي، الملك الجبار المتكبر، الرازق الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، خلق الخلق على مشيئته وإرادته، فهم لما علم منهم منقادون، وعلى ما شاء وأراد يعملون، ولا يشبه في ذلك إلى شيء من خلقه محيط بخلقه، ولا يحيط به خلقه، ولا تدركه الأوهام ولا يشبه بالأجسام، ولا بالصور ولا الألوان، ولا الحركات ولا السكون، ولا تأخذه سنة ولا نوم، حي قيوم، له ما في السموات وما في الأرض، ويعلم ما في الأرحام، وما في ظلمات البر والبحر، ويعرف بقدرته، ويستدل عليه بآياته وما خلق الله في ملكوت السموات والأرض وما في خلق الله من شيء وإن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون!.
الباب الرابع
صفحہ 5
في ذكر النعم* التي أنعم الله بها على عباده فأول نعمة أنعمها عليهم: أن خلقهم أحياء غير أموات، وخلق لهم السمع والبصر والفؤاد، والكلام واللمس والشم والحس والذوق ليبلغوا منافع لهم ويذكروا النعم والملاذ ثم تفضل عليهم بكمال العقول، فجعل لهم عقولا كاملة، يعرفون بها الحسن والقبيح، وأوجب عليهم معرفته عند كمال عقولهم، وأن يعلموا أنه خالقهم ورازقهم، وأنه الله الذي أحياهم وأخرجهم من العدم إلى الوجود، ثم تفضل عليهم بتمام النعمة، وارتضى لهم الإسلام دينا، وأرسل إليهم رسلا مبشرين ومنذرين، وأمرهم أن يدعوا إلى دين الإسلام، وأن يؤمنوا أنه خالق ورازق ومتفضل عليهم ابتدأهم بالنعم من قبل أن يستحقوها وأكمل عقولهم من بعد أن كانوا لا يعقلون شيئا، وهداهم طريق الإسلام، وبين لهم الحلال والحرام، وبين لهم ما يأتون وما يتقون، فمن صدق واتقى نجا، ومن خالف ذلك ضل وغوى وعمى، ولم يهتد* وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.
الباب الخامس
في الإسلام وإكماله
ثم أكمل الله دينه الإسلام على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فدعا إلى الإسلام، وأن تترك عبادة الأصنام والأوثان والأصنام والأزلام، وأن يقولوا لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن جميع ما جاء به حق من عند الله، فكذبه مكذبون، وصدقه مصدقون، وأنزل الله عليه الجهاد والحدود والأحكام، وشرائع الإسلام، وبين الحلال والحرام، فدعا مجتهدا وشمر مجردا حتى أكمل الله دينه، وتمت نعمته، ثم قبضه الله إليه، وقد أقام الحجة وبين الفرائض، فصلى الله وملائكته عليه.
الباب السادس
في الفرائض
والفرائض هي الصلاة والزكاة والصيام والحج، والجهاد، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واتباع الحق وترك الارتياب، وتحريم المحارم، واستحلال الحلال وطاعة ذي الجلال.
الباب السابع
صفحہ 6
في الفرائض التي إذا قام بها البعض أجزى عمن لم يقم بها وأما الفرائض التي إذا قام بها البعض أجزأ عن الباقين: الجهاد إذا قام به البعض أجزأ عمن لم يقم به، وإن تركه الجميع من الناس كفروا، وكذلك تعليم القرآن والسنة، وتعليم العلم والفرائض، وصلاة الجماعات للصلوات، وغسل الموتى، وتكفينهم، والصلاة عليهم، ومواراتهم، لو ترك جميع هذه الفرائض جميع الناس كفروا، وإن قام بذلك البعض لم يكفروا.
الباب الثامن
في الجهاد
وإنما يجب الجهاد بالأسباب الكاملة، وأن يكونوا في العدد كنصف العدو من العدد والعدة والسلاح والكراع* والأوقية* والحمولة* والطعام والعلوفة* وما يحمل عليه، وما يكون فيه، وما تشرب الدواب والناس فيه، والعدة الكاملة بهذا يجب فرض الجهاد لمن أراد جهاد مشرك أو باغ، أو من يجب جهاده مع الإمام والطاعة له، من غير بسط الأيدي إلى حرام ولا ارتكاب في مسيرهم مما لا يحل لهم بتحريم ولا استحلال بدعوة ضلال ويكون الخارج إلى الجهاد بعد قضاء دينه والخلاص من تبعاته*، وإرضاء جيرانه وصلة أرحامه وإحكام وصيته وبر والديه، لأنه إنما يريد الموت في طاعة الله وجهاده أعداء الإسلام لله وفي الله، ورباط العدو، فذلك كذلك لا يخرج إلا بعد الخلاص.
صفحہ 7
وأما إذا بغت العدو البلد* فلهم أن يجاهدوا عن حريم البلد، من تخلص ومن لم يتخلص، ومن عليه دين يوصي به ويجاهد عدوه، ويدافع عن البلد، وإن لم تمكنه الوصية لبغت العدو جاهد مع أهل البلد، واجب عليه الدفع بالحق، قال الله تعالى: { وقاتلوا في سبيل الله } *، أو ادفعوا فهما هما ولا يكون الجهاد والدفع إلا بعد الدعوة وإقامة الحجة إلا من قامت عليه الحجة فردها فلا دعوة له ومن قتل المسلمين قتل فلا دعوة له، وإن حارب الباغي قوتل حتى يفيء إلى أمر الله، ومن قتل المسلمين قتل وإذا قتلهم على دينهم قتل، ومن المسلمين ببغيه على دينهم أو بيعته أو بدلالته قتل، وقائد البغاة يقتل، ولا دعوة له إذا كانوا قد قتلوا المسلمين، وإذا انهزم البغاة إلى فئة قتل مدبرهم وأجيز على جريحهم*، حتى تؤمن معاودتهم، وإذا انهزموا إلى غير فئة وأمن منهم ألا يرجعوا لم يقتل موليهم ولم يجز على جريحهم، إلا من علم أنه قتل أحدا من المسلمين فإنه يقتل، ولا يستحل من البغاة شيء غير قتلهم، حتى يفيئوا إلى أمر الله، كما أمر الله، ولا سباء عليهم ولا غنيمة مال.
وأما أهل الشرك فإنهم قسمان: اليهود والنصارى والمجوس فإنهم يقاتلون في حال حربهم حتى يقروا بالجزية ويصيروا ذمة أو يقتلوا وتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم، وذلك حلال في حال محاربتهم، وإن أقروا بالجزية وطلبوا الصلح والأمان قبل منهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم، وفي حال غنيمة أموالهم وسباء ذراريهم لا يحل تزويجهم، ولا يحل نكاح نسائهم، ولا يحل أيضا وطء إمائهم بتزويج، ولا ملك يمين حتى يسلموا، وإذا صاروا صلحا وأعطوا الجزية حل تزويج نساء أهل الكتاب ولا يحل سباء بعد الصلح، ولا يحل تزويج إمائهم.
وأما المجوس فلا يحل تزويج نسائهم لأن الله حرم المشركات مجملا، ثم استثنى نساء أهل الكتاب بالتزويج عند السلم والصلح، وإعطاء الحق، وهو الجزية.
صفحہ 8
وأما عبدة الأوثان من العرب فلا يحل تزويج نسائهم ولا سباء ذراريهم ولا يقروا على دينهم، ولا يقبل منهم مصالحة ولا عهد، إلا: إما الدخول في الإسلام أو ضرب أعناقهم بعد نزول سورة براءة، وقد كان من قبل ذلك يقبل منهم العهد، وفي حال الحرب تغنم أموالهم، وأما إذا كانوا في حال السلم، لم تغنم أموالهم، ولم يؤخذ ممن دخل إليهم بأمان، وجميع مال أهل الشرك وغيرهم إذا لم يكونوا حربا لم يحل من أموالهم شيء ولا سباء، وإذا كانوا حربا كان في أموالهم الغنيمة والسباء ولا يحل تزويجهم على كل حال.
والمرتد يدعى إلى الدخول فيما خرج منه، فإن امتنع قتل، وإن حارب حورب، ولا يحل منه إلا ما أحل الله ورسوله لقوله: »من بدل دينه فاقتلوه«، ووقف عما سوى ذلك، وإذا مات المرتد فما له لولده* الصغار الذين ولدوا في حال محاربته بعد ارتداده، وإن كان ماله حيث كان مسلما فإن ماله لولده الذين كانوا في بلده وهو مسلم ومات وهم صغار وخلفهم في دار الإسلام، وإن كان له مال في دار الحرب، ومال في دار الشرك ومال في بلاد الإسلام: فماله من بلد الحرب لولده من بلد الحرب وماله من بلد الإسلام لولده الصغار من بلد الإسلام، وإن مات ولا إرث له فماله لأهل دينه، من أهل حرب المسلمين، ولا ترثه زوجته المسلمة ولا أهله المسلمون، لأنه لا يتوارث المسلم والمشرك، وقيل إن مال المرتد إذا لم يكن له وراث يدفع إلى قرابته على ما جاءت به السنة.
الباب التاسع
صفحہ 9
في تعليم القرآن والعلم وتعليم العلم فريضة على الكفاية، والقرآن إن تركه جميع الناس كفروا، وإن قام بذلك البعض ولم يقم أجزأ عمن لم يقم به، إذا كان الذي يتعلم لم يرتكب شيئا من الحرام، ولم يترك شيئا من الفرائض، ولم يتقدم على ما لا يجوز له وإنما يسقط عمن لم يقم بقيام من قام، إذا كان من لم يقم قد قام بما لا يمنعه جهله، وإنما ذلك في نقل الشريعة غير ما لا يسع جهله ولا ركوبه ولا ترك العمل به، وكذلك معرفة الله تعالى ونفي الأشباه عنه لا يسع جهلها، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاءوا به عنه، ومعرفة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به عن الله والثواب والعقاب، والبعث والحساب، والجنة والنار، ولا يسع رد شيء من ذلك، ولا الشك فيه والإيمان به يجب، ويسع جهل أداء الفرائض إذا أقر بالجملة ما لم يبتل بالعمل بها فإذا وجب عليه العمل بها لم يسعه جهل ذلك، وذلك أنه يسع جهل الوضوء والعلم بالصلاة ما لم يحضر الوقت، فإذا حضر وقت الصلاة لم يسعه جهل ذلك، وعليه الطهارة والصلاة، فإذا تطهر ثم ركب ما ينقض عليه طهارته لم يعذر بذلك، فإن صلى بغير وضوء أو صلى وقد فسد طهره لم يعذر بذلك، ولم يسعه جهل ركوبه ذلك، وكذلك الصلاة يسعه جهلها ما لم تحضر، فإذا حضرت لم يسعه تركها، وعليه أن يصليها بكمالها فإن لم يصل حتى يفوت وقتها، فإن فات الوقت لم يسعه جهل ذلك، ولم يعذر بذلك، والقبلة يسعه جهلها، فإذا حضرت الصلاة لم يسعه إلا أن يستقبل القبلة، ولبس الثياب الطاهرة عند الصلاة يسعه جهلها، فإذا حضرت الصلاة لم يسعه أن يصلي بثياب نجسة إلا من عذر، وكذلك ما يصلى عليه يعذر بجهل ذلك، فإذا أراد الصلاة لم يسعه أن يصلي على غير ما تجوز فيه الصلاة، فإن صلى على ما لا يثبت له به الصلاة ولا تجوز فيه لم يسعه ذلك، وكذلك إذا صلى بما لا يجوز فيه من اللباس المحرم والحلي المحرم للرجال يسعه ما لم يركب، وعند ركوبه لا يسعه جهل ذلك ولا يعذر بركوبه ولا يعذر بترك الحق، وكذلك ما تصح به الصلاة من فرائضها وما يفسدها يسعه ما لم يصل ويحضر الوقت، فإن حضر الوقت فلم يصل على ما ينبغي، لم يعذر بذلك ولم يسعه، وكذلك لو لم يتعلم من القرآن شيئا وحضرت الصلاة لم يسعه إذا صلى بغير قراءة وإنما يجزئ فيه قيام البعض به، ما لم يبتل أحد بشيء من العمل، مما لا يسعه تركه.
وكذلك الزكاة يسعه جهلها ما لم يبتل بملك ما تجب فيه الزكاة، فإذا وجبت عليه لم يسعه ترك ذلك، وعليه علمه والعمل به ودفعه إلى مستحقه.
وكذلك الصيام، يسعه جهله ما لم يحضر الشهر، فإذا حضر وقت شهر رمضان لم يسع كل بالغ عاقل صحيح مقيم إلا صومه، فإن جهل ذلك وتركه، لم يعذر بذلك ولم يسعه، وإن هو ركب ما يفسد صومه لم يسعه ذلك ولم يعذر بذلك.
وكذلك الحج إذا وجب عليه لزمه إذا ملك مالا في شهر الحج، ولا يسعه تركه فإن لم يفعل حتى يموت ولم يحج ولم يوص لم يعذر بذلك، فإذا دخل في الحج لزمه اجتناب كل ما لا يجوز له أكله ولا لبسه ولا فعله ولا القول به، فإن فعل لم يسعه ذلك ولزمه ما لزمه من الجزاء وإن لم يأت بفرائض الحج لم يتم له حجه، ولم يسعه ذلك.
وكذلك كل ما حرم الله شربه أو أكله أو فعله أو قوله من جميع المحارم، فواسع لمن لم يعلمه إذا قام به البعض ما لم يركب شيئا من ذلك الذي لا يجوز له فإن ركب شيئا لم يسعه ولم يعذر بذلك.
وكذلك أموال الناس ودماؤهم، يسعه جهل حرمتها ما لم يتقدم على شيء من ذلك، فإن فعل شيئا من ذلك بجهل أو علم لم يسعه ولم يعذر بذلك.
وكذلك الميتة والدم ولحم الخنزير وما حرم الله، يسعه جهل معرفته ما لم يركب شيئا من ذلك، فإن ركب شيئا من ذلك لم يسعه ولم يعذر بذلك، ولا تسعه ولاية من ركب ما حرم الله بجهل ولا علم، ولا ولاية من ترك ما افترض الله عليه بجهل ولا علم.
صفحہ 11
وكل ما كان يسع جهله فهو كالذي وصفت لك، ففي هذا ما يستدل به على غيره وإنما قيل إنه يسعه جهل نقل الشريعة والكتاب إذا قام به البعض ما لم يركب أو يترك، فإن ركب باطلا أو ترك فرضا أو استحل حراما، أو حرم حلالا بجهل أو علم لم يعذر، ولا يسعه ولايته على ذلك العمل، من علم منه ذلك الفعل ولا تجوز ولايته على الجهل ولا العلم ومن أجهل هذا قيل إن على الناس تعليم العلم وأن يكونوا علماء، لأن هذا ما على الناس العمل به لأنه إنما عذر ما لم يترك أو يركب وكذلك تعليم الفرائض في المواريث والأحكام ونقل الشرائع ومحق البدع يجزئ فيه نقل البعض عن الكل، ما لم تعطل السنن أو يترك العمل، فإن ذلك غير واسع لهم، وغسل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم ومواراتهم لو تركه جميع الناس كفروا، وإذا قام بعضهم لم يكفروا، ولو أن قوما حضروا الميت فدفنوه ولم يغسلوه ولم يصلوا عليه كفروا، وإن تركوه ولم يدفنوه ولم يصلوا عليه لم يعذروا بذلك، إلا من عذر فإذا قام به بعض الناس سقط عمن لم يقم به، وكذلك الأذان والإقامة وصلاة الجماعة، ذلك على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ما لم يعطل صلاة الجماعة، فإن ترك صلاة الجماعة جميع الناس لم يعذروا بذلك وكفروا، وصلاة الجمعة حيث تجب في الأمصار فرض لازم، ما قام بها أهل الأمصار سلم الناس، ولو تركت لم يعذروا بذلك وكفروا، ومن كان مقيما في البلد الذي تجب فيه الجمعة وهو مقيم غير مسافر ولا مريض ولا مقهور فإنه لا يعذر إلا من عذر فإن ترك ذلك ثلاث جمع متواليات، فقد قيل إنه يكفر، وقد روى عن ابن عباس رحمه الله أنه سئل عن رجل كان لا يصلي الجمعة ولا جماعة فقيل إنه قال: إنه في النار.
الباب العاشر
صفحہ 12
في الأمر بالقيام بالقسط وقد أمر الله المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، فعلى كل مؤمن أن يقوم لله بالقيام بالقسط، شهداء لله ولو على أنفسهم، أو الوالدين والأقربين فعليهم القيام بالشهادة بالحق على ما أوجب الله ذلك عاما حيث تبلغ قدرتهم مع قوله: { ليسأل الصادقين عن صدقهم } فهو يسأل الصادق عن صدقه والكاذب عن كذبه قال الله تعالى: { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } * يسأل كل من كان له سمع وبصر وفؤاد يعقل به فهو يسأل عما جنى وعمل، والله أعلم.
الباب الحادي عشر
فيما يجب من الفرائض المفروضة على العبد في نفسه
فالواجب على العبد من الفرائض في كل حال مؤبدا في نفسه ألا ينظر مما لا يحل له، ولا يسمع مما لا يحل له، ولا يتكلم بالمحجور من الكلام المحرم عليه، ولا يركب محرما، ولا يأكل حراما في غير اضطرار، ولا يشرب حراما، فإنه لا يحل له مال امرئ مسلم إلا من حيث أحل الله: من الموارثة والبيع عن التراضي أو ما طابت به الأنفس فيما بينهم، وما وجب بحق من الحقوق التي تجري في المعاملات، ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بارتداد عن الإسلام أو زنى بعد إحصان*، أو قتل نفس بغير نفس تعمدا ظلما أو عدوانا، ولا يحل فرج امرأة إلا بتزويج أو ملك يمين على أي وجه ملكها من وجوه الإملاك، فصارت له ما لم تكن مشركة، فإن ذلك لا يجوز أي نكاح المشركات، ولا يحل بتزويج ولا ملك إلا ما أحل الله بالتزويج بالمحصنات من نساء أهل الكتاب، إذا كانوا سلما للمسلمين، وإذا كانوا حربا فنساؤهم حرام.
الباب الثاني عشر
في سنن الإنسان
وفي الإنسان عشر سنن: خمس في الرأس، وخمس في البدن، فاللواتي في الرأس فرق الشعر، والمضممة، والاستنشاق، وأخذ الشارب، والسواك، واللواتي في البدن: قلم الأظافر، ونتف شعر الإبطين، وحلق العانة، والختان للرجل -وهو للنساء مكرمة- والاستنجاء بالماء من البول والغائط، فأما الختان والاستنجاء فقد ألحق ذلك بالفرائض.
الباب الثالث عشر في فرائض الصلاة
صفحہ 13
والفرائض في الصلاة خمس صلوات: صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء الآخرة، وصلاة الفجر، والسنن في الصلاة خمس صلوات: الوتر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان قبل صلاة الفجر، وصلاة العيدين، وصلاة الجنازة، فأما صلاة الوتر والجنازة، فقد ألحق ذلك بالفرض غير أن صلاة الجنازة إذا قام بها البعض أجزأ عمن لم يقم بها، وهي تجب على الكفاية في البعض، وما بقي من سنن الصلاة غير ما ذكرنا سنن نفل، والفرض الذي لا تقوم الصلاة إلا به، ولا تبنى إلا عليه، وبه تتم، يصح العمل بسبع خصال: العلم بالوقت، والنية،والطهارة، ولبس الثياب الطاهرة، والصلاة على البقعة الطاهرة، والانتصاب للصلاة، واستقبال القبلة، فهذا لا تتم الصلاة إلا به، والفرض في الصلاة تكبيرة الإحرام، والقراءة في حال القيام، والركوع والسجود، والقعود، وما يقال في الصلاة في غير هذه المواضع، بعدما ذكرت فرضه فهو سنن، والأذان سنة على الكفاية، والإقامة سنة، والتوجيه سنة، والاستعاذة سنة عند القراءة في الصلاة، والتسبيح سنة في الركوع، يقال: سبحان ربي العظيم، وفي السجود سنة، يقول: سبحان ربي الأعلى، لأنه روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك، وقول: سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد، سنة، والتكبير للركوع والسجود، والقيام، والقعود سنن في الصلاة، والتحيات أكثر القول سنة، وقيل: فرض والله أعلم، والتسليم سنة، ولهذا توابع وتفسير يطول ذكره، ويتسع شرحه.
الباب الرابع عشر
في العلم بالوقت والنية والوضوة
فإذا حضر الوقت وجب على الإنسان علم ذلك، ولم يعذر بترك الصلاة حتى يفوت الوقت، فإذا ثبت العلم بالوقت وجب عليه إتيانها والقيام لأدائها بفرائضها، واعتقاد النية لفعل الصلاة والقيام إليها والطهارة لها، وقيل إذا توضأ رجل وفي جارحة من جوارح الوضوء نجاسة وصلى بذلك، فقيل يمضي على غالب ظنه وصلاته ووضوئه، إذا لم يبق أثر النجاسة تامتان*.
الباب الخامس عشر في الطهارة
صفحہ 14
والفرض في الطهارة الماء الطاهر، والنية، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرافق، ومسح الرأس، وغسل القدمين، والسنن في الوضوء: ذكر اسم الله [عند الوضوء، وغسل اليدين، والمضمضة، والاستنشاق، ومسح الأذنين، والاستنجاء، فهذه حدود الوضوء، فإذا أراد الوضوء قصد بنية ثم ذكر اسم الله] وغسل يديه ثلاثا ثم استنجا إن كان به أذى ثم بدأ، فتمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا ثم غسل وجهه من الأذن إلى الأذن ثلاثا، ثم يديه إلى المرافق ثلاثا، وخلل أصابعه، ومسح رأسه ثلاثا، ثم مسح أذنيه ثلاثا، وغسل قدمه إلى الكعبين ثلاثا، ويخلل أصابعه وباطن قدميه لما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: »خللوا أصابعكم قبل أن تخلل بمسامير من نار« وقال - عليه السلام -: »ويل لبطون الأقدام من النار، وويل للعراقيب من النار«، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: »لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله«، وروى عنه - عليه السلام -: »لا وضوء لمن لم يقل: بسم الله الرحمن الرحيم«، وروي خبر أنه قال: »أشربوا أعينكم الماء لعلها لا ترى نارا حامية« ويخلل لحيه الأسفل، ويستحب أن يخلل لحيته، وليست اللحية في حدود الوضوء، ولكن يستحب ذلك، ويبالغ في الاستنشاق لما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل: »إذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائما فذلك في الوضوء مؤكد«، ويمسح أذنيه باطنهما وظاهرهما على ما قد قيل به، [وقيل إذا كان الماء في إناءين وأحدهما نجس ولم يعلم (من)* منهما المتنجس، وليس معه ماء غيرهما فقيل: يتوضأ خوفا أن يكون الماء الآخر الذي توضأ به نجسا، ولا يتيمم قبل أن يتوضأ بهما لن (ذلك)* لا يبطل وضوءه فربما يكون الماء الذي يتوضأ (ب)* آخرا طاهرا، والله أعلم.
صفحہ 15
وإذا توضأ لنافلة ولم ينوه لصلاة الفريضة فلا يجوز له أن يصلي به الفريضة إلا أن ينوي به]* وقيل من ترك موضعا من حدود الوضوء لم يغسله، بعث الله حيات وعقارب ينهشن ويلدغن موضع ما ترك من حدود الوضوء، حتى يقضي الله بين الناس، وذلك بعد أن يكون الماء طاهرا، ولا يتوضأ بماء نجس، ولا بماء مضاف ولا مستعمل بالوضوء ولا غيره مما قد هلك فيه، بماء المشركين ولا بآنيتهم، ولا تجوز الطهارة بشيء غير الماء (الطاهر) المطلق الذي ذكره الله في كتابه { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } *، وقال: { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } *، وقال: { وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } * فذلك كله طاهر مطهر للأنجاس، ويجوز به الوضوء، والماء الطاهر لا ينجسه شيء إلا ما غلب عليه، وغيره عن حاله، وكانت النجاسة ظاهرة عليه في لونه أو عرفه أو طعمه وذوقه فذلك ماء نجس، لأن حكم ذلك على الأغلب، ما جرى عليه اسم ماء مطلق، فهو طاهر، وقد اختلف الناس في أوصاف الماء ولم يذكر ذلك، والماء إذا صار في حال قد حكم عليه بالنجاسة، فإذا حدث فيه حكم يوجب طهارته لما قالوا به من نزح البئر أو سيل أو ما يزيل حكم النجاسة ويرجع إلى حكمه الأول طهور الماء إذا كان قليلا ونزح كله (وفرغ) وجاء في العيون ماء آخر وطهر، [ومن غير الكتاب عن أبي الحواري في بئر وقعت فيها ميتة أو عذرة فتركت ولم يخرج منها ما شاء الله، إلى أن أصاب الغيث، وكثر ماؤها، فإذا استبحرت جاز لهم أن يستقوا منها، وإن قلت بعد ذلك فقد طهرت إلا أن يتغير ماؤها بطعم أو ريح، وإن كانت الميتة قد هلكت، لم تضرها القلة بعد الكثرة، والله أعلم].
الباب السادس عشر
صفحہ 16
في ذكر ما ينقض الطهارة والذي ينتقض به الطهارة والوضوء والصلاة هو كل ما يخرج من الإنسان من جوبه من مخرج الطام فما خرج (من فيه من قيء أو دم أو رعاف من الرأس نقض الوضوء وكل ما خرج) من الفرج من رطوبة من ماء أو بول أو حيض أو غائط أو دم أو عذرة أو جنابة أو مذي أو ودي أو دابة أو ريح بادية العرف أو صوت فإن ذلك ينقض الوضوء وكل ما خرج من البدن من الدم نقض الوضوء، وما وقع في البدن من النجاسة من الإنسان أو غيره ينقض الوضوء، (وقيل إن ما خرج من الإنسان من جلد ميت فلا ينجس ولو وقع في الماء، وقيل إن الجرجر* إذا طبخ بماء نجس أنه يعاد يطبخ ثانية بماء طاهر، والبيض إذا شوي وهو غير مغسول وانكسر فلا بأس به، وإن طبخ وانشق في حال الطبخ وهو غير مغسول لم يؤكل، وقيل في امرأة سارت لصيد الجراد وهي متوضئة ثم خرج ما من فرجها فقيل إن كان باردا فلا نقض عليها، وإن كان سخنا انتقض وضوئها، والعمل إن وضوءها ينتقض على الوجهين جميعا، لأنه خرج من موضع البول، وقيل فيمن يتوضأ وهو يتكلم ويتحدث، فقيل يكره له ذلك، ولا نقض عليه في وضوئه إذا أتى ما أمره به في وضوء من غسل أو مسح، وقيل فيمن يتوضأ وهو عريان اختلاف في تمام وضوئه، ويعجبني نقض وضوئه، وفيه قول لا ينتقض إذا كان بموضع مستتر، وإذا أقلع المتوضئ شعرة من جسده فلا ينتقض وضوءه حتى يخرج منه دم، وإذا أخرج قملة بيده ولم يخرج من القملة شيء بيده فلا نقض عليه في وضوئه إذا لم يخرجها* لم ينقض وضوءه، ولك ما تكلم به من ذكر الفروج والعذرة* بأقبح أسمائها أو شتم به أحدا انتقض وضوءه، وكل من شتم المسلمين أو اغتابهم أو قذفهم، أو كذب أو لعن مؤمنا، أو قبح من لا يستحق، أو لعن من لا يستحق، أو تكلم بزور أو شيء من الفجور انتقض وضوءه، ولا ينقض وضوءه غيبة المنافق ومن لعن من لا يستحق من الدواب والأطفال، انتقض وضوءه، ومن دخل منازل الناس بغير إذن انتقض وضوءه، ومن استمع سرا بين اثنين أو نظر حرمة في منزل قوم، انتقض وضوءه، ومن نظر أبدان النساء متعمدا انتقض وضوءه، ومن نظر المحارم والفروج ممن لا يحل له أو المحارم، انتقض وضوءه، وأما الأمة فإن النظر إلى بدنها لا ينقض الوضوء إلا الفرج، وكذلك من نظر أبدان النساء اللاتي يتبرجن ويخالطن الرجال لا ينقض وضوءه حتى ينظر الفرج، ونظره فرج الصبي لا ينقض الوضوء، وفرج الجارية من نظره انتقض وضوءه، ومس الفروج كلها ينقض الوضوء، ومن مس فرجه أو فرج غيره انتقض وضوءه، إلا من الدواب، فلا ينقض ذلك وضوء من مسه، والنظر إلى ذوي المحارم من النساء سوى الفرج اختلاف في نقض الوضوء، ومن مس نجاسة يابسة لم ينتقض عليه وضوءه، والرطبة منها تنقض الوضوء.
[وقيل في رجل استغفر وهو على وضوء فقيل إن كان ناسيا فلا فساد عليه، والمتعمد فيه اختلاف والذي يوجب عليه النقض مخافة الكذب والنفاق ومزاح الصدق لا ينقض الوضوء، وقيل إن البكاء لا ينقض الوضوء إذا كان من خشية الله، وإن كان من غير ذلك فإنه ينقض الوضوء، وذلك إذا كذب في بكائه، مثل من يبكي على الميت عند (....)*، إذا غلبه البكاء فلا نقض عليه إذا لم يكن عما ذكرت، والله أعلم.
صفحہ 18
ومن نقض صلاته من غير وجه يجوز له نقضها ففي نقض وضوءه اختلاف على القول الذي ينقض الوضوء بالمعاصي فهو معصية لأنه يقول تبارك وتعالى: { ولا تبطلوا أعمالكم } [وأما الميتة فقد قيل إن من مس الميتة] انتقض وضوءه، وقد جاء في الحديث: »أن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا«، واختلفوا في مس الميت الولي وأحب إلي أن لا ينقض الوضوء من مسه إلا أن ميس منه أذى إذا كان وليا أو مؤمنا، وقيل إن مسه ينقض الوضوء ولو كان وليا، ودم السمك والكبد لا ينقض الوضوء، وكل دابة لا دم لها فلا تنقض وضوء من مسها، ولا تنجس ما وقعت فيه ولا ماتت فيه، ولا بأس بدم البعوض حتى يصير كالظفر على قول، والقمل ذرقه نجس وميتته نجسه ودمه نجس فإن مات في الطعام أو الماء أفسده، وذرقه نجس ينقض الوضوء إذا مسه الإنسان ولا بأس به في الثياب، وإن مات فيها أخرج منها، وإن مات فيها وهي رطبة غسل موضعها، ودم الضمج* والقردان* والحلم ينقض الوضوء وكل دم سافح من كل حي ينقض الوضوء إلا السمك، ودم الأوداج والعروق والمذبحة من الذبيحة ينقض الوضوء لمن مسه، وخاصة اللحم والكبد لا ينقض إذا غسل المذبحة، وذرق الطير الوحشي الذي هو صيد لا بأس به من جميع ذلك، وكل طير قد جاء النهي عن أكل لحمه من ذوات المخالب من الطير طرحه نجس ينقض الوضوء وسؤر السباع كلها وطرحها نجس ينقض الوضوء، وطرح الدجاج نسج ولا بأس بسؤره، والحمام الأهلي مثل الحقم* فلا بأس بسؤره وطرحه نجس، وطرح الأجدل* نجس، والأفاعي والأماحي والحيات والخناز* نجس طرحه، وسؤره نجس، وسؤر الفأر نجس، ولا بأس بسؤر السنور، ولا بأس بسؤر الأنعام وبعرها، وأما بول الأنعام فنجس، وما في كرشها من فرث نجس، وما تخلص من الكرش من الأنعام إلى الأمعاء والحوايا فذلك طاهر ولا بأس به، وسلح الجمال طاهر، وما ضربت بأذنابها مما لاقى البول نجس، وما وقع في الأنعام والدواب من النجاسات منها أو من غيرها، في أفواهها أو على ظهورها، أو في جنوبها أو ضروعها، أو في قبلها أو دبرها، كائنا ما كان من نجاسة، عند بعض الفقهاء إذا يبس وذهب، أو تمرغت به في التراب ويبس، وذهبت أو غابت مقدار ما تأكل وتشرب، ولم ير أثر ذلك في النجاسة، فقد وقع عليه حكم الطهارة ولا تنجس ما أصاب ولا ما مسته وأعراق* الدواب والأنعام عندنا طاهرة كلها وأسوارها*، وكذلك الغيلة إذا غيلت* بماء نجس، فإذا بنى بها في الجدار ويبس فهي طاهرة، وأسوار السباع كلها نجسة إلا السنور، وأهل الذمة ما مسوه من رطوبة نجسوه وإن مسوا شيئا برطوبة نجسوه وآنيتهم وثيابهم نجسة، لحكم ما يلحقهم من الشرك، ولا يصلى بثيابهم، ولا ينتفع بآنيتهم إلا مع اضطرار، بعد أن يغسل بالماء ويطهر، والآنية التي تنشف الماء* إذا تنجست جعل فيها الماء الطاهر، حتى يدخل مداخل الماء النجس، ثم يكفى ويغسل وقد طهرت.
الباب السابع عشر
في ذكر الغسل من الجنابة
والغسل من الجنابة فرض في كتاب الله - عز وجل -، ولا عذر لمن جهله بعد أن تصيبه الجنابة وتحضر الصلاة، فإن أصابته جنابة وحضرته الصلاة فصلى بغير غسل لم يعذر بذلك، وعليه التوبة والبدل والكفارة، قال الله تعالى: { وإن كنتم جنبا فاطهروا } * معناه فاغتسلوا بالماء، [وقيل إن للجنب والحائض أن يغسلا الميت وييمما المريض للصلاة ويكبرا له، والجارية الصغيرة إذا جامعها زوجها البالغ، فليس عليها الغسل من طريق اللزوم، وتؤمر أن تغتسل إلى الرقبة، وفيه اختلاف، والعمل على ما ذكرنا، وقيل أن على من ترك الغسل من الجنابة زمانا التوبة والندم والاستغفار، وبدل ما صلى وصام، واختلفوا فيما يلزمه من الكفارات، والأوسط من أقاويلهم أن عليه خمس كفارات لما ضيع من صلوات، وكفارة واحدة لصيام شهر رمضان، والله أعلم، والجنب إذا لم يتيمم لجنابته لصلاته جهلا منه بذلك، ففي بعض القول لا كفارة عليه، والله أعلم]*.
صفحہ 20
فإذا أراد الجنب الغسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم غسل موضع النجاسة ثم توضأ وضوء الصلاة، ثم غسل رأسه يمينا وشمالا، ووجه وحلقه وعنقه، ثم يغسل يديه اليمنى وما يلي ذلك من بدنه، ثم يده اليسرى وما يلي ذلك من بدنه، وظهره وصدره، ويغسل رجليه اليمنى ثم اليسرى، ويبالغ في الغسل، فإنه قيل: تحت كل شعرة جنابة لمعنى التعبد يعمه الغسل، وغسل الجنابة والحيض سواء في الحكم، إلا أن الحائض تؤمر بحمل الغسل، ولا بأس أن يغتسل الرجل وامرأته من إناء واحد، يتنازعان الماء من الوعاء، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: غسلت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصاعين ونصف من ماء من إناء واحد، كل واحد منا يقول لصاحبه أبق لي، فعلى هذا يجزئ الماء القليل للغسل، والوضوء أيضا القليل كاف، ولا خير في السرف في ذلك، ولا بأس بسؤر الحائض والجنب وما مساه من رطب أو يابس، ولا بأس بسؤرهما من الماء للوضوء والشراب، لأنهما ليسا بنجسين إلا موضع النجاسة من الجنابة والحيض، وسائر البدن طاهر ولا بأس بما مساه من رطب ويابس، وقيل: إن الجنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن ويمنع دخول المسجد وكذلك الحائض وهما ممنوعان من ذلك، ومن حمل المصاحف والتعاويذ وإذا أراد الجنب دخول المسجد تيمم، ويجوز له بعد ذلك دخول المسجد وقراءة القرآن (وقيل يجوز للرجل أن يقضي شهوته في سائر بدن زوجته)*، وأما قولهم لا يتوضأ بفضل ماء المرأة، فذلك ماء أفضل من قطر وضوئها مما لاقى البدن، فذلك هو الفضل وذلك ماء مستعمل فلا يتوضأ به، وأما الماء الذي في الوعاء لم يحمله للوضوء فلا بأس به وثوب الجنب والحائض طاهر، وريقهما طاهر، وعرقهما طاهر، ولا بأس بمناومة الحائض، ما لم يقرب الفرج، فإن جماع الحائض في الفرج في حال الحيض حرام محرم*، ومن دخل نهرا وبدأ بالغسل قبل الوضوء فلا بأس به وأجزأه، ومن دخل نهرا له حركة أو موج فضربه فنضفه* أجزأه، إذا كان نيته في ذلك الغسل، ومن وقف في غيث للغسل حتى ينضفه أجزأه، وإذا عمم الماء بدن الجنب كله أجزأه مرة واحدة، والمأمور به ثلاثا، ومن كان به جراحة أو جبائر وخاف إن غسله أن يزداد علي غسل حتى إذا وصله أجرى الماء حوله سواء، ومن كان جنبا ولم يعلم بجنابته وصلى، ثم علم، غسل ثم أبدل ما صلى بغير غسل، والنية للغسل من الجنابة تقول: باسمك اللهم أغتسل من الجنابة الفريضة، ومن كل نجاسة، أداء عما علي من فرض غسلها، وطاعة لله ولرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقيل إن الجنب إذا اغتسل من الجنابة ولم يرق البول فإنه يلزمه الغسل ثانية إذا أراق، وإن صلى قبل أن يريق البول واغتسل فلا بدل عليه، وإذا كان في فلاة وأجنب خاف الهلاك من البرد، فاستنجى وتوضأ وصلى، ولم يتيمم لجنابته، فيعجبني أن يبدل صلاته، لأنه يوجد عن سليمان بن عثمان: لا بدل عليه ولا كفارة والله أعلم.
الباب الثامن عشر
صفحہ 22
في التيمم وذكره والتيمم فرض في كتاب الله تعالى، عند عدم الماء للطهارة للصلاة والجنابة، قال الله تعالى: { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا* ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } * معناه من ضيق، والتيمم: هو التعمد والقصد إلى الأرض، والصعيد: هو ما صعد على وجه الأرض من التراب، طيبا والطيب: هو الحلال الطاهر، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم، فيضرب بيديه الأرض ثم يردهما إلى التراب ضربة أخرى فيمسح بهما كفيه إلى الرسغين*، ما ظهر وما بطن، ولا يزيد على ذلك وتيمم واحد يجزئه عن الجنابة والصلاة إذا نوى ذلك لهما، والنية للتيمم يقول: أرفع بتيممي هذا جميع الأحداث وأتيمم للصلاة بدلا للماء، وطهارة من كل نجاسة، طاعة لله ولرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإن تيمم للصلاة تيمما وللغسل تيمما، كان ذلك أفضل له، فإذا خرج الرجل حيث لا يجد ماء في سفره، فإنه إذا حضرت الصلاة وطلب الماء فإن لم يجد ماء تيمم وأجزأه، ولو وجد الماء بعد أن صلى فلا بدل عليه في الصلاة، وإن كان الماء في رحلة أو قريبا منه، ولم يطلبه، ثم علم، أعاد الصلاة بالماء، وقيل: إنه ينبغي له أن يلاحظ يمنة ويسرة في منزله الذي هو فيه، وليس عليه أن يتعدى إلى مكان بعيد، وإن لم يلاحظ ويطلب الماء، ثم وجد الماء ووقت الصلاة بعده قائم فعليه بدل الصلاة، وإن فات الوقت وكان قد صلى -بلا ملاحظة ولا طلب- فعليه البدل، وفي الكفارة اختلاف، والله أعلم.
صفحہ 23
وإن كان معه ماء لطعامه وشرابه، فليس عليه أن يتوضأ منه، إذا كان يخاف النقصان عن طعامه وشرابه (لم يتوضأ منه)* إلا أن يعلم أن فيه فضلة، أو قد استغنى عنه، وقيل: يجوز التيمم بتراب المسجد إذا ضرب بيده ولم يحمل منه شيئا لأنه ذلك لا قيمة له، ومن المقبرة فيه اختلاف، وأما أخذ التراب من الطريق إذا لم يخرجه فجائز، والتيمم الواحد يجزئه لجمع الصلاتين، وذلك إذا كان يصليهما جميعا، فإن رأى ماء -وقد تيمم- قبل أن يصلي انتقض تيممه، وإن كان رآه بعد أن صلى وقد طلبه ولم يجد شيئا فلا بدل عليه، ومن كان رآه بعد أن صلى وقد طلبه ولم يجد شيئا فلا بدل عليه، ومن كان متجاوزا في سفره، وليس معه ماء، ولا بقربه ماء، تيمم ولا يذهب يطلب الماء، وإن كان الماء قريبا منه بقدر ما يعوقه به أصحابه ذهب إليه، وإن كان بعيدا بقدر ما يعوقه عن طريقه، أو يشق على أصحابه في الذهاب إليه، تيمم وصلى، وكل من لم يجد الماء، ولم يكن بالقرب منه ماء في سفره، أو غيره، فإنه يجزئه الصعيد، وكل من كان به على أو جراحة مؤذية أو مرض يخاف منه عليه إن مسه الماء أن تزداد به علته، تيمم، ولا يغتسل إذا خاف عليه الزيادة، وينبغي له أن يتوضأ قبل أن يتيمم، إن كان في شيء من جوارحه على لا يمكنه أن يوضئها* كأنه إذا توضأ بعد أن تيمم الجارحة* أذهب الوضوء التيمم، ونية التيمم كالنية للتيمم عند عدم الماء، وكل صحيح أو مريض مسافر أو مقيم، أصابته جنابة وحضرته الصلاة، وخاف على نفسه الهلاك من برودة الماء أو على نصيبه تؤدي به إلى التلف، فإنه يتيمم بالتراب، ولا يخاطر بنفسه إلى الهلاك، وقيل: إن المريض إذا لم يقدر على الوضوء والتيمم، وأعسره أن يوضئه، أعليه لازم أن يستعين بمن يوضئه وييممه من أهله؟ فقول: عليه أن يستعين بمن حضره من المتعبدين من أهله إذا عجز، وقول: ليس عليه ذلك، ويؤدي فرضه كيف ما قدر، والله أعلم.
صفحہ 24
والذي يكون في القرية، ويخاف على نفسه من القود إذا سار إلى الماء، فقيل: يجوز له التيمم، ولا يجوز للمريض أن يتيمم وعنده زوجة، وكانت لا تمتنع عن استنجائه من البول والغائط، ولا يثقل عليها، وإن لم يجد أحدا أو وجد أحدا وثقل عليه ذلك ولم يتبرع من ذات نفسه إلى إعانته فهو معذور ويؤدي فرضه بما قدر، وقد روي أن قوما غسلوا رجلا مجدورا لهم بالماء فمات، أو قوما غسلوا رجلا كان به جرح فكز فمات، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: »قتلوه قتلهم الله إنما كان يجزئه التيمم«، وكذلك ما روي عن عمرو بن العاص، أنه أصابته الجنابة في غزوة للنبي كان أميرا عليها، فتيمم فصلى، فلما قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبره أصحابه فقال: من أين علمت يا عمرو؟ أو من أين لك ذلك؟ قال: يا رسول الله وجدت الله تعالى يقول في كتابه: { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } * فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه شيئا، وكذلك كل من كانت به علة أو جراحة تؤذيه مثوية، أو خاف على نفسه الهلاك من شدة الماء والبرد، فالتيمم له كاف، إلا أن يكون في موضعه ويقدر على أن يسخن له ماء، (فعسى ذلك يغسل بالماء مسخونا)* وإن لم يكن ذلك فالتيمم له كاف).
صفحہ 25
وطالب الشوع والجراد إذا كان غنيا فلا يجوز له التيمم للصلاة إذا لم يجاوز الفرسخين، وإن كان فقيرا فالتيمم جهلا منه وصلى فقول عليه الكفارة]*، ومن أجنب ولم يجد ماء إلا بشرى اشترى، إلا أن يمتنع الماء لغلائه، فإنه يتيمم بالصعيد، والتيمم للجنب والحائض واحد، وقد روي أن رجلا يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عدي بن حاتم الطائي فقال: إنا نغيب عن الماء ومعنا الأهلون، فقال: »الصعيد كاف ما لم تجد الماء ولو إلى سنين«، وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر رحمه الله أو لغيره: »الصعيد الطيب كاف ولو إلى عشر سنين« ففي هذا ما يجزئ الصعيد لكل من لم يجد الماء، وإن كان معه امرأته جاز له مجامعتها، والتصعد بالتراب لهما جائز، ما لم يجد الماء، والحائض إذا طهرت من حيضها تيممت وصلت، وجائز لزوجها مجامعتها بعد التطهر بالصعيد على قول بعض الفقهاء، وشدد آخرون في ذلك حتى تغتسل بالماء من الحيض والنفاس كله سواء، والمطلقة إذا حضرت الصلاة وقد طهرت من آخر حيضة عند انقضاء عدتها، فتصعدت بالتراب، فقد فاتت مطلقها وانقضت عدتها وحلت للأزواج، والمستحاضة تتيمم لجمع الصلاتين وللوتر تيمما واحدا، وإن أرادت أن تبدل أحدثت تيمما آخر، وكذلك إن غسلت من الاستحاضة عند الجمع للصلاتين وصلت الجمع والوتر، فإن أرادت أن تبدل اغتسلت أيضا مرة أخرى كذلك، والتيمم لا يجوز بالتراب كما قال الله تبارك وتعالى: { صعيدا طيبا } ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: »جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا فلا يتطهر بغير التراب«، ولا يجوز التيمم بتراب نجس، ولا بتراب قد تيمم به مرة أخرى، ولا بهك، وبرماد، وبجص ولا آجر، ولا قمح، ولا سبخ، ولا ملح، ولا شيء غير التراب.
الباب التاسع عشر
صفحہ 26