مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
البحر والغروب وقصص أخرى: مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
اصناف
وفي أقل من عشرة أيام تجمع حولي رعاة الغنم من المناطق المحيطة. لم أكن أبدا من الفتيان المتكبرين، ولكن جميعهم أصبحوا أتباعا لي من تلقاء أنفسهم.
وخلال ذلك انتشرت شائعة في مكان ليس ببعيد عن قريتي عن ظهور نبي في الثامنة من عمره. وتقول: إن النبي الصغير يقوم بالوعظ وله معجزات. وشائعة تقول إنه أعاد الرؤية لفتاة صغيرة عمياء بعد أن لمس عينيها بيده.
توجهت أنا وأتباعي إلى ذلك المكان. كان ذلك النبي مختلطا مع باقي الأطفال يلعبون مصدرين أصواتا ضاحكة تعبر عن الدهشة والاستغراب. جثوت على ركبتي أمام ذلك الطفل، وحكيت له بالتفصيل محتوى الوحي.
كان الطفل في بياض الحليب، وشعره المجعد ذهبي اللون يتدلى على جبهته التي تشف عن عروق الدم الزرقاء. عندما جثوت أمامه توقف عن الضحك، ورجفت أطراف شفتيه الصغيرتين مرتين أو ثلاثا. ولكنه لم يكن ينظر إلي أنا، بل كان يرنو بنظره هائما إلى المراعي المتموجة في الأفق البعيد.
وعندها نظرت أنا أيضا في نفس الاتجاه. هناك كانت أشجار الزيتون عالية الارتفاع تقف شامخة، أطرافها تصفي أشعة الشمس؛ فتبدو الأفرع والأوراق وكأنها مضاءة من الداخل. هبت رياح، فلمس الطفل كتفي بهيبة وجلال، وأشار إلى تلك الجهة. وعندها رأيت بوضوح حشدا كبيرا من الملائكة يحركون أجنحتهم ذات اللون الذهبي اللامع في أعالي الأشجار.
قال الطفل بصوت مهيب، وكأنه شخص آخر مختلف تماما عن الطفل السابق: «اذهب إلى الشرق، توجه نحو أقصى الشرق. ولفعل ذلك يفضل الذهاب إلى مارسيليا كما أنبأك الوحي.»
بهذا الشكل انتشرت الشائعة أكثر وأكثر. وتباعا حدث نفس الأمر في كل أنحاء فرنسا. في أحد الأيام حمل أبناء فرسان الجيش الصليبي تركة آبائهم من سيوف ورماح، وغادروا منزلهم. وكذلك في مكان آخر طفل كان يلعب بجوار نافورة المياه في حديقة منزله. فجأة ترك ألعابه، وغادر لا يحمل شيئا إلا قليلا من الخبز أخذه من الخادمة. وعندما لحقت به الأم وعنفته، لم يسمع لها قائلا: سأذهب إلى مارسيليا. وفي ساحة إحدى القرى، قبل انقضاء ظلام الليل، تجمع الأطفال الذين تركوا فراش النوم وخرجوا، وهم ينشدون الأناشيد المقدسة، وغادروا مسافرين لا يعلمون وجهتهم.
وعندما استيقظ الكبار، لم يجدوا في القرية أطفالا يمكن أن يطلق عليهم أطفالا، إلا الرضع الذين لم يتعلموا المشي بعد.
وأخيرا تجمع لدي عدد كبير من الرفاق. وعندما بدأت الاستعداد لاصطحابهم في رحلة إلى مارسيليا، جاء أبواي ليأخذاني، وبكيا وأنباني لتهوري وطيشي. ولكن أتباعي كانوا كثيري العدد؛ فقاموا بطرد ذينك الأبوين ناقصي الإيمان وإبعادهما. كان عدد من رحل معي لا يقل بحال عن المائة. ولقد اشترك في حملتي الصليبية تلك عدة آلاف من الأطفال من أنحاء متفرقة في فرنسا وألمانيا.
لم تكن الرحلة هينة؛ فلم يكن مر أقل من نصف يوم حتى سقط الأطفال الأصغر سنا والأضعف بنية تباعا. قمنا بدفن جثثهم ونحن نبكي، ووضعنا فوقهم صلبانا خشبية صغيرة.
نامعلوم صفحہ