مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
البحر والغروب وقصص أخرى: مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
اصناف
كان الفتى عندما يبلغ النشوة، يظهر أمام عينه دائما عالما مجازيا. «ديدان اليسروع حولت أوراق الكرز إلى سباق.» «الحصى التي رميت تخطت أشجار البلوط، وذهبت لرؤية البحر.» «في يوم ذي سحب، قامت الرافعة العملاقة بنزع صفحة البحر ذات التجاعيد الكثيرة، ولفتها في الهواء؛ لتبحث تحتها عن جثث الغرقى.» «ثمرة الخوخ القريبة من الخنفساء تضع في الواقع مكياجا خفيفا.» «يلتصق الهواء الغاضب المضطرب حول الهارعين جريا بكل طاقتهم، وكأنه مثل النيران فوق ظهور التماثيل.» «الغروب هو نذير شؤم، ولونه مثل لون صبغة اليود المركزة.» «أشجار الشتاء ألقت أرجلها الصناعية تجاه السماء، ثم بعد ذلك بدا جسد الفتاة العاري بجوار المدفأة وكأنه ورد مشتعل، ولكن عندما تقترب من النافذة تكتشف أنه ورد صناعي، وأن البشرة التي بها قشعريرة بسبب البرد، قد تحولت إلى قطعة من زهرة مخملية منفوشة.»
كان الفتى يصل إلى ذروة السعادة عندما يتحول العالم بهذه الكيفية في الواقع. ولم يكن الفتى يندهش من حدوث حالة السعادة القصوى تلك بشكل مؤكد عندما يتولد داخله الشعر. كان يعلم في عقله أن الشعر يتولد من داخل الحزن واللعنة واليأس، يتولد الشعر من وسط الوحدة القاسية، ولكن من أجل ذلك كانت توجد ضرورة أن يحمل هو نفسه اهتماما أكثر تجاه ذاته، وأن يعطيها قضية ما. ورغم إيمانه الذي لا يتزعزع أنه عبقري، فإنه من المدهش أن الفتى لم يكن يحمل اهتماما تجاه ذاته. فلقد جذبه تماما سحر العالم الخارجي. أو الأصح عوضا عن ذلك هو القول إنه لحظة وصوله لذروة السعادة القصوى، كان العالم الخارجي بلا سبب واضح يتخذ بسهولة الشكل المفضل لديه.
لم يكن الفتى يعرف جيدا هل الشعر يظهر من أجل إثبات سعادة الفتى بين حين وآخر، أم أن الفتى يكون في سعادة بسبب ميلاد الشعر، ولكن تلك السعادة كانت تختلف بشكل واضح عن سعادته عندما يحصل على شيء كان يريده وظل يطالب بشرائه لفترة طويلة، أو عندما يخرج مع والديه في رحلة ما، غالبا هي ليست السعادة الموجودة عند أي شخص آخر، ولكن المؤكد أنها سعادة لا يعرفها بحق إلا هو فقط.
في كل الأحوال لم يكن الفتى يحب الاستمرار في تأمل أمر ما فترة طويلة، سواء أكان ذلك نفسه أو العالم الخارجي، يلفت الشيء انتباهه، فيبدأ في التحول السريع إلى شكل ما مغاير ومختلف في الحال. على سبيل المثال: إذا تلألأت أوراق الغابة الخضراء، ولم يتحول الجزء المشع منها في وسط الظهر من أحد أيام شهر مايو، وكأنها زهور كرز ليلية، فهو على الفور يسأم منها ويتوقف عن مشاهدتها، وكان يواجه الصور الحادة، التي من المؤكد أنها لن تتغير ولو قليلا، بابتسامة باردة قائلا: «تلك لا تصلح لأن تكون شعرا.»
في يوم اختبار المدرسة، جاءت الأسئلة كما توقعها تماما، فكتب الإجابات بسرعة، ثم سلم ورق الإجابة إلى المدرس دون أن يراجعها بشكل دقيق، واستطاع أن يخرج من الفصل قبل أي زميل آخر من نفس صفه، وأثناء عبور فناء المدرسة الذي لم يكن يوجد به ظل لإنسان في فترة الصباح، نظر إلى قمة سارية العلم التي تنتهي بكرة ذهبية صغيرة تلمع متألقة. وعندها غمرته سعادة بالغة لا يمكن وصفها. اليوم ليس عيدا قوميا؛ ولذا فالعلم لم يكن مرفوعا، ولكنه كان يعتقد أن اليوم عيد داخل قلبه، وأن أشعة الكرة الذهبية اللون تحتفل به وتهنئه. ينخلع قلب الفتى بسهولة عن جسده ويبدأ التفكير في الشعر. يا لها من نشوة تنتابه في تلك اللحظة! يا لها من وحدة مكتملة! يا لها من خفة لا متناهية! يا لها من سكرة صافية تصل إلى كل الأركان! يا له من تقارب وتوافق كامل بين داخل النفس وخارجها!
كان الفتى عندما لا تأتيه هذه اللحظة بشكل طبيعي، يستخدم شيئا ما من الأشياء حوله، ويحاول عنوة ولو بشكل مصطنع أن يستدعي حالة سكرة مشابهة. يقوم مثلا بالنظر إلى ما داخل الغرفة باستخدام غلاف علبة السجائر الشفاف الذي يأخذ تصميم ظهر سلحفاة مخططة، أو أن يقوم برج زجاجة المسحوق الأبيض السائل الخاصة بأمه بعنف، حتى يقوم المسحوق أخيرا بالرقص متثاقلا معربدا، وفي النهاية يظل يتأمل ذلك المسحوق، وهو يترك السائل الرائق يتكون في أعلى الزجاجة، ثم يترسب هو تدريجيا في قاعها.
كان الفتى كذلك يستخدم كلمات مثل: «الصلاة»، و«اللعنة»، و«الاحتقار» بدون أي تأثر أو عاطفة.
انضم الفتى إلى نادي الأدب في مدرسته، وقد أعاره عضو اللجنة المفتاح، فكان الفتى يذهب إلى غرفة النادي وقتما يشاء، وكان بذلك يستطيع الاستغراق في قراءة الكتب والمعاجم التي يحبها. كان الفتى يحب صفحة الشعراء الرومانسيين في موسوعة الآداب العالمية؛ فجميع الشعراء كانت صورهم في تلك الصفحة بدون لحى شعثاء، وكانوا جميعا شبابا ذوي جمال أخاذ.
وكان الفتى يهتم كثيرا بقصر حياة الشعراء، يجب على الشاعر الحق أن يموت مبكرا، ولكن حتى لو قلنا موتا مبكرا؛ فبالنسبة للفتى ذي الخمسة عشر ربيعا، كان الأمر ما زال بعيدا جدا، وبسبب ذلك الأمان الناتج من الأرقام، ظل الفتى يفكر في الموت المبكر بمشاعر سعيدة.
كان الفتى يحب قصيدة أوسكار وايلد القصيرة التي تسمى «قبر كيتس». «يرقد هنا أصغر الشهداء، الذي أخذ من هذه الحياة عندما كان في ريعان الشباب حيث الحب والحياة.»
نامعلوم صفحہ