مختارات من القصص الإنجليزي
مختارات من القصص الإنجليزي
اصناف
ووضع الرحالة المصباح على الدكة وأمر يده على القضيب المعوج وقال: - «الآن أيقنت أن القصة التي رويتها لكم صحيحة، وإني لآسف لتعريضكم هنا للبرد.»
وتناول المصباح، وعدنا في صمت تام إلى غرفة التدخين. وخرج معنا إلى الردهة وساعد المحرر على ارتداء معطفه ونظر إليه رجل الطب نظرة المتردد، وقال له: إن الإفراط في العمل أرهق أعصابه، فضحك. وما زلت أراه بعين الذاكرة واقفا بالباب يودعنا ويتمنى لنا ليلة طيبة.
وركبت مع المحرر الذي قال لي إن القصة «أكذوبة منمقة» أما أنا فلم أستطع أن أستقر على رأي في الأمر، فقد كانت القصة غير قابلة للتصديق لفرط غرابتها، ولكن أسلوبه في روايتها معقول ورزين متزن، وقد أرقت أكثر الليل من جهد التفكير فيها، فعزمت أن أزور الرحالة في اليوم التالي، فقيل لي، لما زرته، إنه في المعمل، ولما كنت من الأصدقاء فقد صعدت إليه فوجدت المعمل خاليا، فحدقت هنيهة في آلة الزمان، ومددت يدي فلمست الرافعة، فترنحت هذه الكتلة المتينة ترنح العود عصفت به الرياح، فأفزعني اضطرابها وتذكرت ما كانوا ينهونني عنه في طفولتي من الدخول فيما لا يعنيني. وخرجت من الدهليز فالتقيت بالرحالة في غرفة التدخين، وكانت معه آلة تصوير صغيرة وحقيبة، فضحك لما رآني، وأدنى مني كتفه على سبيل التحية، وقال: «إني مشغول جدا بهذه الآلة.»
فسألته: «أليست إذن خدعة؟ أتراك حقيقة تطوف في الزمن؟»
فقال: «نعم، حقا وصدقا.» ورماني بنظرة صريحة، ثم تردد، ودارت عينه في الغرفة، وقال: «إن بي حاجة إلى نصف ساعة. وأنا أعرف ما جاء بك وأشكرك وهناك بعض المجلات، فإذا بقيت للغداء، فإني أستطيع أن أثبت لك أن الطواف في الزمن حقيقة - بالنماذج وما إليها - فهل تأذن لي في الانصراف عنك الآن؟»
فقبلت، وأنا لا أكاد أدرك ما تنطوي عليه كلماته من المعاني، وهز رأسه ومشى في الدهليز. وسمعت باب المعمل يغلق، فقعدت على كرسي وتناولت صحيفة يومية، ترى ماذا عساه يريد أن يصنع قبل الغداء؟ ثم تذكرت فجأة أني وعدت أن أقابل ريتشاردسون الناشر في الساعة الثانية، فنظرت في ساعتي فوجدت أن الوقت أزف، فنهضت ومشيت في الدهليز لأعتذر للرحالة.
ولما تناولت يد الباب سمعت صوتا، وحركة ودبة، ومرت بي نسمة من الهواء وأنا أفتح الباب وسمعت من داخل الحجرة صوت تكسر الزجاج على الأرض، ولم أجد الرحالة. وخيل إلي أني أرى شبحا غامضا في كتلة دائرة من السواد والبياض، وكان هذا الشبح شفافا حتى لكنت أرى الدكة وما عليها من خلاله بوضوح ولكن هذا الشبح غاب لما فركت عيني، واختفت الآلة، ولم يبق في هذه الناحية من المعمل سوى التراب الذي يستقر.
وأذهلني ذلك، وكنت أدرك أن شيئا عجيبا قد حدث، ولكن ما هو؟ لا أدري! وإني لواقف أحدق إذ فتح الباب ودخل الخادم.
فتبادلنا النظرات، ثم بدأت الخواطر تجري ببالي فسألته: «هل خرج المستر من هنا؟»
قال: «لا يا سيدي. لم يخرج أحد من هذه الناحية، وقد كنت أتوقع أن أجده هنا.»
نامعلوم صفحہ