مختارات من القصص الإنجليزي
مختارات من القصص الإنجليزي
اصناف
غير أنه لم يفعل شيئا يتقدم به الأمر خطوة واحدة، وبادل امرأته نظرة حيرة أخرى فهزت رأسها كأنما تريد أن تقول إنه لا حيلة لها وأن الأمر لله، وأطرقت.
وقال الرجل بلهجة من يحاول جلاء الغامض: «شف
1
يا سيدي ... شف ...» ثم تلجلج وزوى ما بين عينيه كأنما يعاني أزم التعبير.
فسألته مقترحا: «هل استؤجر البيت؟»
فقال: «كلا، لم يؤجر.»
فقالت امرأته أخيرا بلهجة المكروب ومن غير أن ترفع عينها عن الأرض: «يحسن أن تذهب وتجيء بالمفتاح.»
فانكفأ راجعا يجر رجليه إلى كوخه، وبقينا نحن واقفين صامتين بجانب الباب، وكانت أصابع يديها المتشابكتين لا تزال تضطرب، وحاولت أن أجرها إلى الحديث، وأفتح لها أبواب الكلام، فأثنيت على موقع البيت وجمال المنظر، فتمتمت موافقتها في رقة ولطف، ولكن بضجر غير خاف. فلم يشجعني هذا على المضي في الكلام.
وعاد إلينا الرجل بالمفتاح، وشرع وامرأته معه يريني البيت، وكان فيه حجرتان جميلتان للجلوس والاستقبال في الطبقة الأرضية، وثالثة للطعام، ومطبخ واسع من الآجر الأحمر المصقول، ومدخنة، وأوعية شتى من النحاس اللامع، وكان المتاع في غرف الجلوس والاستقبال والطعام خفيفا على الطراز الفرنسي، وكانت النوافذ تفتح على الشمس وعلى أرج الحديقة وخضرتها البهيجة، فأعربت لهما عن سروري وإعجابي بما شاهدت، وإذا بحالتهما تتغير شيئا فشيئا، من الكآبة، والتردد، والحيرة، إلى الاستجابة والانشراح، وصارا يتلقيان كلامي بابتسام، ويجيبان عن أسئلتي بلهفة وبإفاضة. ولكن الاضطراب لم يزايلهما، اضطراب العاطفة الجياشة، وكانت أيديهما المعروقة تختلج وترتعش إذ يفتحان لي الأبواب والنوافذ، وينحيان الأستار، وصوتهما يتهدج، حتى ابتسامهما كان عن ألم مكنون؛ فهو لا يجاوز السطح ولا يؤثر في المطوي من الهم.
وحدثت نفسي أن حاجتهما ملحة إلى المال، وأنهما عسى أن يكونا قد أنفقا على هذا البيت كل ما كان عندهما، فهما إذ يجدان مستأجرا معذوران إذا اضطربا.
نامعلوم صفحہ