254

ليس الأعاريب عند الله من أحد

لا جف دمع الذي يبكي على حجر

ولا صفا قلب من يصبو إلى وتد

فإذا شئت بعض مذهبه في الحياة خالصا، فلعله يغنيك في هذا قوله:

ترك الصبوح علامة الإدبار

فاجعل قرارك منزل الخمار

لا تطلع الشمس المنيرة ضوأها

إلا وأنت فضيحة في الدار

لعله قد خرج لنا من كل ذلك أن أبا نواس إنما كان يجتمع اجتماعا لنظم تلك القصائد الفخمة التي يرفع بها كثرة النقدة شاعريته، وكان يلهب عصبه، ويشب ذهنه في صنع الأخيلة واختلاق فنون المعاني، ويذكي ذاكرته في التماس ما عسى أن يكون جاز به من غريب اللفظ ومجفوه، ليكتب له التقدم والتبريز على شعراء عصره، فمشاكلة شعر الجاهلية في عرف بعضهم، إنما كان السبيل إلى البراعة والتبريز.

ولقد يدل هذا منه ومن غيره على كفاية كافية، ولقد يدل على براعة في نظم الشعر بارعة، ولكنه لا يدل قط على أن مفتنا يترجم عن حسه هو، أو بعبارة أخرى، على أن عبقرية تلهم ومفتنا يستلهم، أو على أن عبقرية تأمر ومفتنا لا سعي له إلا في التدوين والتسجيل!

نامعلوم صفحہ