180

وقلت له ذات يوم: ألا تهبط يا باشا مصر فتقضي في «ذهبيتك» أياما كسابق عهدك؟ فرأيت الدمع يترقرق في عينيه، وقال: ومع من أجلس يا بني؟ لقد مات قرنائي وأصحاب عمري، فأنا لا أجدني في أبناء هذا الجيل إلا غريبا!

وإليك مثلا واحدا من شفقته بولده، وشدة عطفه عليهم، وإيثاره لهم: دعوت له مرة - وقد جرى حديث الصحة والمرض - بطول العمر ودوام العافية، فانتفض انتفاضة شديدة، وقال: لقد كنت أحسبك يا فلان تحبني! فدهشت من هذا السؤال، وقلت له: وكيف رأيتني يا باشا لا أحبك، وأنا أدعو لك بطول العمر ودوام العافية؟ فقال: بل ادع لي بأن يلحقني الله عاجلا بالدار الآخرة، فلا يمتد بي الأجل حتى أشهد مكروها في ولد من بني أو في أحد أبنائهم.

3

الله أكبر! ...

سيذكرون في نعي محمود باشا سليمان إيثاره لبنيه، فلقد خرج لهم حيا عن كل ما ملكت يمينه، وما دروا أنه آثرهم بما هو أعز من المال، لقد آثرهم بالحياة!

والرجال قليل!1

راغب بك عطية

2

إلى صديقي محمد راغب بك

وا رحمتاه لك: لئن فقد الناس بالأب واحدا لقد فقدت فيه أيها الحزين الواله اثنين: أبا وأخا معا: أبا يكاد من حدب يخلع شغاف قلبه على وليده، ويعتصر من الحنان كبده ليفيضه على طفله وحيده، ولو تهيأ للأجسام أن تتبخر لاستحال جثمانه عطفا عليك، وترقرق في الأثير حنانا إليك.

نامعلوم صفحہ