ومع هذا فإذا جاء هذا الحق الذي لا ريب فيه، والذي لا مفر لأحد منه، فامتحننا في ولد أو في قريب أو في حبيب، تصدعت كبودنا، وتفرقت أحشاؤنا وطارت كل مطار أحلامنا، واشتد إنكارنا لهذا الموت كأنه لم يكتب قط علينا، وكأن القدر قد ضمن لنا السلامة عليه، وكتبنا دون الخلق جميعا في سجل الخالدين!
يا ويلنا من غفلتنا! يا ويلنا من إحسان ظنوننا بالأيام!
ليس الزمان هو الذي يخدعنا، ولكنا نحن الذين يخدعون أنفسهم عن صرف الزمان! وإننا لنجزى على هذه الخديعة جزاءنا الأوفى، إذ نضاعف بمصيبة الروع والهلع مصيبة الفقد والحرمان! •••
لا تجزع يا أخي ولا يسرف فيك الأسى، وما خيرك في أن تتلف وتتلف أنفسا معك، على حين لا تجدي بذاك حيا ولا ميتا؟
خذ نفسك بالصبر، وكلفها التجلد، وألق مصابك بالعزم الشديد؛ فذلك الأخلق بالرجال، لا أسألك يا أخي ألا تحزن، ولا أريدك ألا تبكي، فإنني بهذا أجشمك ما ليس في الطباع، وأريدك على ألا تكون لك عاطفة تترقرق، وكبد تحن، ولب يسيل بالذكرى، وعين تتبادر بالدمع على من ذقت فيهم لوعة الفراق!
بل ابك، فمن الدمع ما أسكن من وخز الحشا، ومن الدمع ما أهدأ من غمز الكبد، ومن الدمع ما أبرد من لوعة الملتاع.
ابك، ولكن بكاء رقة ورحمة، وشتان بين عين تذرف الدمع من شدة الهول والهلع، وبين عين تفيض بالدمع من الرحمة والحنان!
ولعلك في لوعتك وشدة ولهك ذاكر قول كثير:
فقلت لها يا عز كل مصيبة
إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
نامعلوم صفحہ