المختار من صحيح الأحاديث والآثار
من كتب الأئمة الأطهار ومحبيهم الأبرار
للسيد العلامة
محمد بن يحيى بن حسين الحوثي
حفظه الله تعالى
صفحہ 1
{مقدمة المركز}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا - وبعد:
يسر مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية أن يقدم لك أخي المؤمن الكريم كتاب ( الصحيح المختار) تأليف السيد العلامة محمد بن يحيى الحوثي حفظه الله تعالى، وذلك ضمن الدفعة الثالثة الصادرة عن المركز عام 1423ه، 2002م.
وخلال ذلك نجدد العهد لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولأئمة أهل البيت -صلوات الله عليهم - بمواصلة ما بدأناه، والسير قدما في نشر عقائد أهل البيت(ع) ومذهبهم من خلال نشر تراثهم الفكري، وما خلفوه من علوم جليلة أسهمت وتسهم في صلاح المجتمعات ، والوصول بها إلى السعادة الأبدية ، دون أن نحاول صياغة عقائدهم حسب ما يروق لنا، ونجعلها سلسة بسلاسة عصرنا، بل نقدمها كما قدمها أئمة الآل، قفد كفونا المؤونة في ذلك، وما بقي إلا أن نغترف من مائهم الزلال، واهتمامنا بذلك لما سبق وذكرناه من أمثال قوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}[الأحزاب:33] وقوله تعالى: tc "{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }" \f q{إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [المائدة:55]، وقوله تعالى: { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى:23].
صفحہ 2
وأمثال قول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- :((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))، وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-:((أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى))، وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- :((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء)) ، وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- : (( من سره أن يحيا حياتي؛ ويموت مماتي؛ ويسكن جنة عدن التي وعدني ربي؛ فليتول عليا وذريته من بعدي؛ وليتول وليه؛ وليقتد بأهل بيتي؛ فإنهم عترتي ؛ خلقوا من طينتي ؛ ورزقوا فهمي وعلمي.....)) الخبر- وقد بين -صلى الله عليه وآله وسلم -أنهم علي؛وفاطمة؛والحسن والحسين وذريتهما - عليهم السلام - عندما جللهم -صلى الله عليه وآله وسلم-بكساء وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)).
وغيرها من النصوص الواضحة الجلية الدالة على أنهم عروة الله الوثقى، وحبله المتين الأقوى.
* * * * * * * * * * * *
صفحہ 3
وقد صدر عن مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية - بصعدة-:1
- لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار، تأليف/ الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
2- مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي(ع)، تأليف/ الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).
3- شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة، تأليف/ الإمام الحجة عبدالله بن حمزة(ع).
4- صفوة الإختيار في أصول الفقه، تأليف/ الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
5- المختار من الأحاديث والآثار من كتب الأئمة الأطهار وشيعتهم الأخيار، تأليف/ السيد العلامة محمد بن يحيى الحوثي حفظه الله.
6- هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطيبين، تأليف/ السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير(ع).
7- الإفادة في تاريخ الأئمة السادة، تأليف/ الإمام أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني(ع).
8- المنير - على مذهب الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم -عليهمالسلام- ، تأليف/ أحمد بن موسى الطبري رضي الله عنه.
9- نهاية التنويه في إزهاق التمويه، تأليف السيد الإمام / الهادي بن إبراهيم الوزير(ع).
10- تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، تأليف/ الحاكم الجشمي المحسن بن محمد بن كرامة رحمه الله تعالى.
11- عيون المختار من فنون الأشعار والآثار، تأليف الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
12- أخبار فخ وخبر يحيى بن عبدالله (ع) وأخيه إدريس بن عبدالله(ع)، تأليف/ أحمد بن سهل الرازي رحمه الله تعالى.
صفحہ 4
13- الوافد على العالم، تأليف/ الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم الرسي(ع).
14- الهجرة والوصية، تأليف/ الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي(ع).
15-الجامعة المهمة في أسانيد كتب الأئمة، تأليف/الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
16- المختصر المفيد فيما لا يجوز الإخلال به لكل مكلف من العبيد، تأليف/ القاضي العلامة أحمد بن إسماعيل العلفي رضي الله عنه.
17- خمسون خطبة للجمع والأعياد.
18- رسالة الثبات فيما على البنين والبنات، تأليف/ الإمام الحجة عبدالله بن حمزة(ع).
19-الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل، تأليف/ الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
20- إيضاح الدلالة في تحقيق أحكام العدالة، تأليف/ الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
21- الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة، تأليف/الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
22- النور الساطع، تأليف/ الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي رحمه الله تعالى.
23- سبيل الرشاد إلى معرفة رب العباد، تأليف/ السيد العلامة محمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد(ع).
24- الجواب الكاشف للإلتباس عن مسائل الإفريقي إلياس - ويليه/ الجواب الراقي على مسائل العراقي، تأليف/ السيد العلامة الحسين بن يحيى الحوثي حفظه الله تعالى.
25- أصول الدين ، تأليف/ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين(ع).
صفحہ 5
26- الرسالة البديعة المعلنة بفضائل الشيعة، تأليف/ القاضي العلامة عبدالله بن زيد العنسي رحمه الله تعالى.
كما شارك مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية -بصعدة- بالتعاون مع مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية في إخراج:
27- مجموع رسائل الإمام الهادي(ع)، تأليف/ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم(ع).
28- العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين، تأليف/ الإمام الحجة عبدالله بن حمز(ع).
29- المصابيح وتتمته، تأليف/ السيد الإمام أبي العباس الحسني(ع)، والتتمة لعلي بن بلال رضي الله عنه.
30- الموعظة الحسنة، تأليف/ الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي(ع).
ومع مكتبة التراث الإسلامي:
31- البدور المضيئة جوابات الأسئلة الضحيانية، تأليف/ الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي(ع).
وهناك الكثير الطيب في طريقه للخروج إلى النور إنشاء الله تعالى، نسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق.
* * * * * * * * * * * *
ونتقدم في هذه العجالة بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إخراج هذا العمل الجليل إلى النور، ونسأل الله أن يكتب ذلك للجميع في ميزان الحسنات، وأن يجزل لهم الأجر والمثوبة.
وختاما نتشرف بإهداء هذا العمل إلى مولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي -أيده الله تعالى وأدام في الدارين علاه- باعث كنوز أهل البيت(ع) ومفاخرهم، وصاحب الفضل في نشر تراث أهل البيت(ع) وشيعتهم الأبرار رضي الله عنهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
مدير المركز/
إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
27 ربيع الأول/ 1423ه، 6/6/2002م
صفحہ 6
كلمة إمام أهل البيت الكرام الإمام مجد الدين بن محمد المؤيدي
أيده الله تعالى
تقديم بقلم مولانا الإمام الحجة/
مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى ونفع بعلومه
* * * * * * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما يجب لجلاله، وصلواته وسلامه على خاتم رسله محمد وآله،
وبعد:
فإن من منن الله سبحانه، وإفضاله وجزيل نواله، تيسيره لجمع المختار من الأحاديث والآثار من كتب الأئمة الأطهار ومحبيهم الأبرار، الذي عني بجمعه، وتهذيبه، وتنقيحه، وترتيبه، السيد العلامة الأوحد نجم آل محمد الأبر الأطهر أبو جعفر الولي بن الولي/ محمد بن يحيى بن الحسين بن محمد الحوثي رضي الله عنهم وأرضاهم، وأكرم لديه نزلهم ومثواهم، ونفع به، وجزاه أفضل الجزاء.
صفحہ 7
وقد انتقاه من مؤلفات آل محمد الطاهرين، وأوليائهم الأكرمين؛ المأمونة المصونة، وهو أمين الرواية، متين الدراية، وبالمحل الأعلى، والمنزل الأسمى؛ من التحري والانتقاد، والبصيرة والإرتياد، والتحقيق والاجتهاد، ولا غرو فهو فرع الدوحة النبوية، وغصن الزيتونة العلوية، المضيئة الأنوار، الزكية الأثمار، {وربك يخلق ما يشاء ويختار}[القصص:68]، {ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}[آل عمران:34]، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}[الحديد:21]،
حرر على غاية من الاستعجال، وتكاثر من الأشغال، والحمد لله على كل حال 8شوال / سنة 1395ه.
مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي
عفا الله عنهم، وغفر لهم وللمؤمنين
صفحہ 8
بسم الله الرحمن الرحيم
[ترجمة المؤلف بقلم السيد العلامة/عبدالله بن صلاح العجري]
الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وبعد/ فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق : {ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا(70)}[الإسراء:70] ويقول عز وجل : {الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار(32)وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار(33) وءاتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}[إبراهيم:32-34] ، وفي القرآن الكثير الطيب من أمثال هذه الآيات التي تدل على أن الكون وما في الكون إنما خلق للإنسان، الذي ميزه الله سبحانه وتعالى بالعقل، الجوهرة العظيمة والنور الجسيم الذي لم يمنحه نوع من الحيوانات الأخرى، تر لم هذا التكريم ؟ ألهذا الجسم الشهواني العديم الفائدة؟ ألهذا الجسم المركب من لحم ودم وعظم وعصب كسائر أنواع الحيوانات، أم لشيء آخر أو لنوع آخر من بني آدم؟
صفحہ 9
هذا شيء يستلفت النظر، ويسترعي الإنتباه، إن الإنسان عندما يقرأ هذه النصوص المشار إليها وينظر إلى بني جنسه من بني آدم يكاد يقطع بأن الأنعام أحق وأولى بالتكريم والتعظيم ، لأنها لا تخلو من فائدة لبعضها البعض أو لبني آدم، الله تعالى يقول : {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون(6)وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم (7)والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون(8)} [النحل] ويقول : {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين}[النحل :80] ويقول تعالى: {وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون(72)ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون(73)}[يس:72،73] .
صفحہ 10
أما الإنسان اليوم فإنا لا نجد همه وهمته إلا حب الذات، وحب السلطة، النزو على المملكات، النزو على الحرم، القتل، النهب، السلب؛ وغير ذلك، اللهم إلا عدد ضئيل في نظر العامة ، وإن كانوا عند الله هم الجماعة الذين أبان لنا أنهم على الحق والعدل، وأمرنا بلزومهم وعدم مفارقتهم والشذوذ عنهم، وتوعدنا على ذلك، وهم أنبياء الله ورسله وأوصياؤه وحملة علومهم إلى أممهم ، وأولاهم بكل خير وذكر وشكر سيد الأنبياء وإمامهم وخاتمهم حبيب الله محمد بن عبدالله، وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وشيعتهم الصادقين رضي الله عنهم أجمعين .
فإننا عندما نقرأ سير الماضين منهم ونشاهد أعمال الحاضرين نجد أن دأبهم وهمهم وهمتهم وراحتهم إرشاد عباد الله إلى الله ؛ وتعليمهم معالم دينهم ، والأخذ بهم إلى سبيل الجنة، ودفعهم عن طريق النار.
ولا أبالغ إن قلت أنهم صراط الله المستقيم الذي يقول ربنا عز وجل فيه : {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}[الأنعام:153] وقد أشار إلى ذلك المفسرون، ولهذا نعرف أنهم المقصودون بالتكريم والتعظيم والتبجيل.
أما الظالمون والكافرون والفاسقون فلا ولا كرامة، وخير عباد الله أنفعهم لعيال الله، {أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب}[الزمر:18] وعند ذلك تزول الغرابة .
صفحہ 11
هذا وقد ندبني بعض الأولياء المخلصين الصادقين في ولائهم وإخلاصهم، ودعاني إلى تحرير لمحات من حياة مؤلف هذا الكتاب الجليل الذي بين أيدينا؛ مولانا العلامة الطود الأشم، والبحر الخضم، سيدي العالم الفاضل، التقي الزكي، عز الإسلام وبدر التمام محمد بن يحيى بن الحسين الحوثي حفظه الله وشفاه وعافاه، ومن شر الأشرار وقاه وكفاه، وبالخيرات والنعيم الدنيوي والأخروي كافاه، وعند أن طلب مني ذلك تحيرت وقلت في نفسي: إن المجهول إذا وقف للتعريف بالمشهور يكون كفرع من شجرة مغمور يقف أو ينتصب ليدل على الساق الباسقة، وماذا عساني أن أقول مع قصوري، وعلي أولا أن أبدأ بملازمة العلماء الأجلاء، وأن أخالطهم وأتعلم، لا أفارقهم إلا في الأوقات الضرورية، سيما أعلامنا ومشاهير ساداتنا أمثال المترجم له حفظه الله ؛ لأنه من أجل وأكمل سادتنا وعلمائنا الذين خدموا الدين ونشروا علوم أهل البيت المطهرين بالتدريس والتأليف والتطبيق، وضحوا من أجل الدفاع عن عقائدنا بكل غال ورخيص، وجاهدوا في سبيل الله وسبيل إحياء دين الله وإعلاء كلمته، وفي سبيل الدفاع عن العقيدة، وعن الزيدية ككل.
صفحہ 12
وإذا كنت كذلك فسأعرف بعد كيف أقدم وأترجم وأعمل، وبحيث أن الحياة تتأرجح بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، وبين ما يجذبها إلى الحضيض والوحل، وبين ما يرقى بها إلى السماء، رغم اختلاف أشكال المغريات، ورغم تعدد أسماء الشياطين، وأسماء المصلحين، ومع ذلك فالنفس جبلها الله عز وجل وألهمها فجورها وتقواها، فالعودة إلى علمائنا وأمجادنا ، وإلى علومهم وتراثهم، وإلى الإستمساك بهم وإبراز موالاتهم ومودتهم، وإظهار متابعتهم، ومعاداة أعدائهم، مع الإحساس بواقعنا، والنظر في مستقبلنا، من أوجب الواجبات، وأفضل القربات، سيما في هذا الزمن الموحش الذي تظافرت وتظاهرت وتكتلت فيه على الزيدية بعقائدها وعلمائها وأعلامها فرق متعددة سالكة غير نهج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فنهجه في أهل بيته وفي علومهم ومبادئهم معروف لدى أهل البصائر ، تجمعت وتظاهرت هذه الفرق علينا كتجمع الذباب على حلو الطعام، {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}[البروج:8] {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم}[الصف:8] {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا(104)}[الكهف]، ومن أوجب الواجبات الشرعية العقلية شكر نعم الله عز وجل، فهو تعالى قد أنعم علينا بنعم عظيمة، فرض وأوجب علينا طلب العلم حيث يقول على لسان رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((طلب العلم فريضة ...إلخ)) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((اطلبوا العلم ولو في الصين))، وقال الله تعالى : {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }[التوبة:122] ويقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - : ((إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)) أو كما قال، وغير ذلك كثير ، وقد أنعم الله علينا وخصنا تعالى بخصائص عظيمة ، منها أن خلقنا في الأرض المباركة يمن الإيمان والحكمة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم- : ((اللهم بارك لنا في يمننا))، وقال -صلى الله عليه وآله وسلم- : ((الإيمان يمان والحكمة يمانية))، وجلعنا في قبة الإسلام صعدة المشرفة، منبع الأئمة، وعاصمة العلم والعلماء الزيدية، ومستقر الشيعة، لانحتاج إلى أن تنفر منا فرق لتتفقه في الدين ولا أن نرحل لطلب العلم ولو إلى الصين، ولا أن نبحث لمن نأخذ علمنا وديننا منه، فها هم ذرية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ذراري الأنبياء وسلالات الأوصياء حملة علوم النبي والوصي، وقرناء القرآن، والدعاة إلى الرحمن؛ هاهم بين أظهرنا باذلون أنفسهم وأوقاتهم وراحتهم في تعليمنا، أليست هذه أكبر النعم وأجلها وأولاها بالشكر العظيم ؟ فكيف بمن يقابل هذه النعم بمعاداة أهل البيت(ع)، والتثبيط عنهم ، والتنفير منهم، والإستخفاف بهم، وتغيير وتحريف مؤلفاتهم، وقد جعلنا الله تعالى -إن استجبنا لندائه - أحبته وأثنى علينا ثناء عظيما حيث يقول في آيات الولاية لأمير المؤمنين:{أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}[المائدة:54].
صفحہ 14
فمن أين أبدأ أو إلى أين أنتهي، وماذا أقول في من نال فضيلتين غير متناهيتين، وشرفين دائمين دوام الدهر، فضل وشرف النسب الطاهر، وفضل وشرف العلم الباهر الزاخر الظاهر، وليس هذا قولي، وإنما قول من لاينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ يقول: ((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي)) ويقول -صلى الله عليه وآله وسلم- : ((إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة))؛ فهذا يدل دلالة صريحة واضحة أن النسب النبوي الطاهر غير منقطع، وولد السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها وآلهم الكرام هم المختصون بولادة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فهم نسبه ورحمه الذي لا ينقطع، فقد قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)).
صفحہ 15
والمترجم له حفظه الله من أعلام وعيون بني الزهراء كما لايخفى، أما العلم فالذي يدل على أنه يدوم ولا ينتهي ولا ينقطع بموت صاحبه فمن ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ما معناه : ((كل عمل بني آدم منقطع إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له))، فهذا دليل واضح على حياة العلم بعد موت العالم، والعقل والحجى يشهدان بذلك، فهذه علوم أئمة أهل البيت كزيد، والهادي، والقاسم، والناصرين وسائر أئمة أهل البيت(ع) وشيعتهم رضي الله عنهم، هذه علومهم، وهذه آثارهم ومآثرهم تملأ الخزائن والمكاتب والمساجد وصدور قوم مؤمنين، ومؤلفوها أجسادهم تحت أطباق الثرى، وأرواحهم في جنة المأوى، هذا ولا أحتاج أن أطيل في فضل أهل البيت المطهرين ولا في فضل العلم، والمؤلف حفظه الله كما يعرفه من خالطه هو الشديد في الدين، اللين في الأخلاق، القوي في الحق، الرحيم بالضعفاء، الآمر بالمعروف، الناهي عن المنكر، الموالي لأولياء الله، المعادي لأعداء الله ...إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور،ولا غرو ولا عجب؛ فهو من أسرة كريمة بلغت القمة في الكمال الذاتي للنفوس البشرية، أسرة شديدة الشكيمة في الحق، متوقدة الحماس للدين، لا تعرف هوادة ولا لينا حين تهب بادرة البغي والباطل، علماء حكماء بررة أتقياء، متواضعون للحق وأهله، وهم الغاية في الورع والقدوة فيه (والدين الورع)، يعرفون بصفاء النفوس، وطهارة القلوب، ونصرة الحق، وإنصاف الناس، وبطولة في الدفاع عن العقائد والمبادئ الدينية، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يخشون أحدا إلا الله :
صفحہ 16
إذا ما راية رفعت لمجد .... تلقاها عرابة باليمين
يضيئون القلوب بأنوار العلم، والمترجم له حفظه الله من عيون تلكم الأسرة المباركة التي يصدق عليها قول الشاعر إذ قال، وقد أجاد :
هم الصائمون القائمون لربهم .... هم الخائفوه خشية وتخشعا
هم القاطعوا الليل البهيم تهجدا .... هم العامروه سجدا فيه ركعا
بهم تقبل الأعمال من كل عامل .... بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا
بأسمائهم تسقى الأنام ويهطل الغم .... ام وكم كرب بهم قد تشعشعا
هم القائلون الفاعلون تبرعا .... هم العالمون العاملون تورعا
أما مولده الشريف : فذلك في ضحيان في تاريخ محرم الحرام / 1352ه، أنشأه الله من عنصرين زكيين، ومن أبوين عظيمين، فأبوه : حي سيدي ومولاي العلامة العابد الزاهد ذو النور الساطع عماد الإسلام والدين، وزينة المتقين، يحيى بن الحسين بن محمد الحوثي رضوان الله عليه ورحمته وبركاته.
وأما والدته فهي الحرة المصونة، والدرة المكنونه الطاهرة المصونة، التقية النقية العفيفة، حورية بنت علي الغالبي، وآل الغالبي هم من يعرفون بعلمهم وعملهم وتقواهم وإخلاصهم وولائهم لآل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وتفوقهم في كل فضيله، ورثوها كابرا عن كابر، فشب وترعرع ونشأ حفظه الله بين هذين الأبوين القمرين النيرين، نشأ على الدين والأدب والأخلاق المرضية والسلوك الحسن .
صفحہ 17
وأما نسبه : فيجدر بنا أن نقول فيه ما قيل في أمثاله من أئمة
الآل وسادات الخلائق عترة النبي وسلالة الوصي صلوات الله عليهم أجمعين، فهو السيد العلامة الحلاحل عز الإسلام : محمد بن يحيى بن الحسين بن محمد بن حسين بن أحمد بن زيد بن يحيى بن عبدالله بن أمير الدين بن نهشل بن المطهر بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن الإمام المظلل بالغمام المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن القاسم بن المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي عليهم جميعا الصلاة والسلام.
صفحہ 18
أما شيوخه : فدرس أولا على والده وعميه سادات علماء الزيدية
صفحہ 19
وعيون علمائها وحلمائها؛ الحسن بن الحسين بن محمد الحوثي، وأمير الدين بن الحسين بن محمد الحوثي، ويحيى بن الحسين بن محمد الحوثي رضوان الله عليهم ورحمته وبركاته، ودرس أيضا على سيدنا ومولانا حجة العصر؛ ووحيد الدهر؛ سيد السادات، وخيرة الخيرة من أعيان آل محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، العلامة الوقور الصبور الشكور، ذي الفضل المذكور، والعلم المشهور، شيخنا الإمام الحجة / مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله عز وجل، وأطال الله بعمره وحفظه غوثا وملاذا للإسلام والمسلمين، ودرس أيضا حفظه الله على سيد الناس، العلم النبراس، العلامة المجاهد الصابر، مولاي وسيدي عبد العظيم بن الحسن الحوثي حفظه الله، وربما على غيرهم، ولما تفوق وبرع في جميع الفنون قام بالتدريس، وله طلاب كثير متفوقون علماء شاملون، ومن أشهرهم أخواه السيدان العالمان التقيان الورعان، العلامة المجاهد العابد الصابر الزاهد، البائع نفسه من الله لإحياء دين الله؛ ولإعلاء كلمة الله ونشر مباديء الإسلام، وعلوم وعقائد الأئمة الكرام من عترة النبي الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم - الحسين بن يحيى الحوثي، والعالم العابد الزاهد من طلق الدنيا ورفضها وعرف الله حق المعرفة فخشيه، المستأنس بالوحدة إلا إذا كان في الخلطة رضى لله عز وجل، فخر الآل عبدالله بن يحيى الحوثي حفظه الله ، هؤلاء من أشهر طلابه القدامى، وله طلاب غيرهما كثير، كما أن من أشهر طلابه العلماء الأعلام والسادة الكرام أولاده وأولاد أخويه الحسين وعبدالله حفظهم الله جميعا، وكان أعلمهم وأفضلهم وأنفعهم شهيد الإسلام العلامة علي بن محمد بن يحيى الحوثي رضوان الله عليه، هؤلاء أشهر طلابه، وله طلاب كثير جدا من ضحيان، ومن جماعة من بني حذيفة الزور وغيره، ومن آل حميدان، ومن بلدان نائية من خولان وسفيان وهمدان والجوف وغيرها من كل حدب وصوب، ولا زالوا ولن يزالوا إن شاء الله يتوافدون ويقرأون ويتخرجون وقد تخرج الكثير منهم.
هذا ومن إنتاج وتحصيل ومآثر العلمين النيرين والنجمين الزاهرين محمد والحسين دين إيجابيات صبرهما على الدرس والتدريس والإرشاد والتعليم والحماس للدين حفظهما الله وأسبل عليهما نعمه عمارة الجامع المقدس جامع الروضة، الذي أسس على التقوى من أول يوم، وعمر بالعلم والتعليم والعبادة والطاعة، والتأليف والتدريس .
وللمترجم له حفظه الله فضائل ومناقب ومآثر شتى ذكر قليلها يغني وينبيء عن كثيرها، ومن ذلكم التحصيل والإنتاج هذا (الكتاب) الذي بين أيدينا.
هذا والمترجم له حفظه الله ممن وقفوا حياتهم الثمينة وأرخصوا أوقاتهم الغالية لبناء الدين وتشييده وإعلاء كلمة الله، والدفاع عن الدين والعقيدة، وعن الأمة الإسلامية الحقة: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين(69)} [العنكبوت] .
صفحہ 20
وإني أجله وأجل مقامه السامي عن الثناء لأني عي وحصور لا أفي ببعض الواجب، ولكن فليكن رضاؤه شفيعا بالقبول، وصدره رحيبا للتقصير والقصور، وله الفضل أولا، ويعود عليه آخرا، كما كان بولائه متصلا، اسأل الله القبول والثبات آمين .
وحرر في شهر محرم الحرام / سنة 1420ه من مستمد الدعاء وباذله /
عبدالله بن صلاح بن عبدالله العجري
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، الذي بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة، وعبد الله حتى أتاه اليقين، وعلى أهل بيته الطاهرين الحنفاء، الذين هم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى ، فلا يضل المتمسك بهم وبالكتاب أبدا، أورثهم علم السنة والكتاب الكريم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
وبعد:
صفحہ 21