مخيلة الخندريس: ومن الذي يخاف عثمان بشري؟
مخيلة الخندريس: ومن الذي يخاف عثمان بشري؟
اصناف
لم تعجب أية أو أيا منا طريقتها في التدليل على إمكاناتها الأنثوية بمنطق الجسد. كانت طريقة شاذة وقبيحة بكل المقاييس! ضربها الفكي ضربا عنيفا على ظهرها ووجهها، وسحبها من شعرها الغزير محاولا أخذها للخارج، طبعا كان ذلك عبثا؛ لأنه لم يستطع أن يفعل. كانت مثل جزع شجرة عرديب معمرة تعتصم بالأرض، تحملق في عينيه بلا دموع بلا استعطاف أو رجاء، إلى أن تدخلنا وحلنا بينهما. تلفظ الفكي بألفاظ لا يمكن ذكرها في هذه الرواية خوفا من شيوخ المصنفات الفنية والأدبية الرساليين، وكان غاضبا جدا ومبتسما جدا وهو يعتذر عن سلوك زوجته المشين: امسحوها لي في وشي يا جماعة دي زولة ماسورة.
أمي بدأت تتفهم الأمر شيئا فشيئا. أعدت لهم وجبة أخرى، طعموها بهدوء أكثر. خرج الطفلان جلجل وحسكا، حتى الآن لم نتبين أيهما جلجل وأيهما حسكا؛ لأننا إذا نادينا حسكا التفت الاثنان، أو جاءا معا إذا كانا بعيدين، والعكس صحيح. ولأن اسم جلجل ثقيل بعض الشيء؛ فإن أمي اكتفت بأن تطلق على الاثنين اسم حسكا. تبولا عند باب الديوان مباشرة، تغوطا كثيرا. عرفنا ذلك عندما داهمتنا الرائحة المتميزة للمخلفات الآدمية مع طليعة فوج الذباب. قامت «ما أصبحت أم الطفلين» بنظافة المكان جيدا، ورمي القاذورات في الشارع يمين الباب. قالت لها أمي إن ذلك خطأ أيضا ، عليها أن تتخلص منها في المرحاض! هزت نونو رأسها في استغراب وابتسمت. لقد نسيت أمي تماما أن نونو لم تر مرحاضا في حياتها. مرحاضها هو هذا الفضاء الرحب، وكل مكان وزمان لا يشاهدها فيه شخص غريب وهي تقضي حاجتها، هو بلا شك مرحاض. أما براز الأطفال، من يهتم ببراز الأطفال؟!
الساعة الآن قاربت الثانية عشرة منتصف الليل. نحن لم نستطع أن نعرف المعلومات الأساسية عن المورد الأصلي للميثانول القاتل، كان كل مرة يأتينا الفكي بفكرة جديدة، ولا ندري هل نصدقه أم أنه سيجيد مرة أخرى إدهاشنا باكتشاف كذباته الكبيرة جدا؟! فالفكي مثل قنبلة موقوتة في يد جندي، قد تنقذه من الموت وقد تقتله، لا ندري هل سينفجر بين أيدينا أم أننا سنحطم به جدران سر موت المتشردين المسمومين بالميثانول.
عندما نعس الأطفال ونعست زوجته، تركنا لهم الصالون، بعد أن أحضرت أمي فرشا خاصا للأطفال؛ لأن أمهم أكدت لها أنهم يتبولون عادة أينما ينامون. بقا رحل إلى بيته متصيدا آخر باص من المواصلات العامة. أنا وأمي لم ننم، ساهرنا إلى أن غدر بنا النعاس، لا ندري بالضبط متى نمنا ... كنا خائفتين من مصيبة لا ندريها قد يفعلها الفقيه المتشرد وأسرته الصغيرة العجيبة.
ذاكرة العرق
العرق أو ما يطلقون عليه الأثينول أو الميثانول: هو في الواقع خليط بين الاثنين، بنسب متفاوتة. لكن من خلال استيتس
status
في الفيس بوك بعنوان الكحول، علقت أستاذة جامعية لمادة الكيمياء اسمها عائشة حسن كاتبة: «العرق البكر الذي ينتج في الدقائق الأولى من عملية التقطير الكحولي البلدي؛ أي قبل أن تغلى المادة المخمرة موضوع التقطير، وهي البلح أو العنب، السكر، الجوافة أو الذرة أو غيرها من النشويات المخمرة بفعل الحرارة، ويسمى أيضا الأثينول أو السيكو أو السكوسكو، وغالبا ما يكون خاليا من الشوائب والميثانول ...» وأخذت تعدد أسماء العرق، حتى تخيل لي أنها فدادية لا يشق لها غبار. فخاطبتها في رسالة داخلية
message ، ما إذا كانت لديها معرفة في كيف تتم عملية صناعة الأثينول بلديا في البيوت؟ واستخدمت هذه الصيغة المحترمة حتى لا أكون قد أسأت لها فيما لو ظنت أنني أقصد أنها تصنع العرق بنفسها ... وهذا بالطبع حرام بين؛ لأن الله لعن صانع الخمر، وشاربها، بائعها، حاملها والمحمولة إليه. ومن اسمها أستطيع أن أخمن أنها مسلمة ملتزمة. لكن لحسن المفاجأة أن أرسلت لي كتابا إلكترونيا فريدا ألفه أحد الأوروبيين المفتونين بما سماه «عبقرية المرأة السودانية في التخمير» عنوان الكتاب
Fermentation Technology in Sudan . قد تناول فيه صناعات كثيرة بالتفصيل: كيف تعد وكيف تستخدم، بل كيف ومتى يتم تناولها مثل الكول، الشرموط، أم جنقر، المرايس بأنواعها، المرس، خميس طويرة، الكاني مورو والشربوت، ثم تناول صناعة الإيثانول تحت عنوان العرق.
نامعلوم صفحہ