46 - وكان محمد بن أبي الساج قد هادن خمارويه بن أحمد بن طولون، وحلف بالمحرجات أنه لا يشاقه ولا يجهز إليه جيشا أبدا، وخلف عنده ابنه -المعروف بداود- رهينة، فسكن خمارويه إلى هذا. ثم تواترت الأخبار بتجييشه عليه، وما آثره من المسير إليه، فدعا بابنه وقال: ((قد نقض أبوك ما بيني وبينه!))، فقال: ((يا سيدي! ما أعرف لي أبا غيرك)). فرق له وأجازه، وأقر أثرته، ثم توجه إلى ابن أبي الساج فالتقيا بالثنية، فحدثني أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن القاسم بن إبراهيم بن طباطبا -وكان معه- قال:
((لما ترآى الجمعان أمر بإلقاء حصير الصلاة فألقيت، ونزلت معه فصلى ركعتين، فلما استتمهما، أدخل يده في خفه، فأخرج منه خط ابن أبي الساج الذي حلف فيه بوكيد الأيمان أنه لا يحاربه، فقال: ((اللهم إني رضيت بما أعطانيه من الأيمان بك، ووثقت بكفايتك إياي غدره [بي] وبحلفه واجتراءه على الحنث بما أكده لي اغترارا بحلمك عنه، فأدلني عليه!)). ثم ركب، #75# فرأيت ميمنة خمارويه قد انهزمت، وتبعتها ميسرته، فحمل في شرذمة يسيرة على جيش ابن أبي الساج -وهو في غاية من الوفور- فانهزموا بأسرهم.
فوقف على نشز، وأطفت ومن حضره به، فاستأمنت إلينا عدة كثيرة. فقلت له: ((إن مقامنا أيها الأمير مع هذه الجماعة خطر)) فأمرني بالمسير بهم إلى مستقر سواده. فسرت معهم -وأنا على رقبة من طمع فيه أو كيد له- فبلغوا نهرا احتاجوا إلى عبوره، فرأيتهم قد خلعوا الخفاف وحطوا الرحال، وسلكوا سلوك المطمئن، فأنست إليهم)).
صفحہ 74