15 - وسمعت أبا العباس أحمد بن بسطام يحدث أبا الطيب أحمد بن علي قال:
((لما سخط الموفق على صاعد وكل به من يطالبه ، وأقرني والطائي على ما كنا نتقلده له. وكان صاعد محسنا إلينا، جميل العشرة لنا، #28# فلم نترك شيئا نصل إليه مما خفف عنه إلا بلغناه. وكانت بيني وبين الطائي إحنة، فدعاني الموفق في يوم من الأيام -ونحن بواسط وقد بلح صاعد، واستنزل المستخرج جميع ما وصل إليه منه-، فقال لي: ((أحمد! ادخل إلى صاعد فقل له: أظنك أرضيت المستخرج حتى فتر في مطالبتك، وتالله لئن لم تخرج محتجبك لأتولين تعذيبك بنفسي!)).
فدخلت إليه وأديت الرسالة، فقال لي: ((يا أحمد! والله ما بقي لي شيء، وما ملكت قط ما هو أحب إلي من نفسي، فتقول له: يا سيدي! والله ما أملك على الأرض ولا فيها دينارا ولا درهما ولا جوهرا، وأنت أولى بالتطول على خادمك)). فانصرفت من عنده وأنا أخاف أن يغريه ذلك الجواب. ودخلت إليه وقلت له: يقول لك: ((يا سيدي! ما أملك على وجه الأرض ولا بطنها غير مائة ألف دينار عند الطائي)). فأمر بإحضاره، فلما مثل بين يديه، قال له: ((المائة الألف الدينار التي لصاعد عندك، قد بعث إلي يحلف أنه لا يملك غيرها)). فقال له: ((وهي بمدينة السلام، فينظرني الأمير مسافة الطريق، وأنا أستسلف له ما تيسر منها من التجار هاهنا؟)) فقال له: ((اكتب خطك بها)). فكتبه وسلمه إلى الموفق، فسلمه إلى غلام من خاصته، وانصرف الطائي.
فاستقبحت ما صدر مني فيه، وعظم في نفسي لتصديقه صاحبه، وترك معارضته بما يدفع به المرء عن نفسه. فدنوت من الموفق وقلت له: ((أيها الأمير! جميع ما أديته إليك عن صاعد مني تقولته، وقد قبح في عيني، وسيدي مخير بين الصفح عنه والعقوبة عليه)). فقال: ((أحسنت! بارك الله عليك)). ثم أمر برد الطائي، فقال: ((لم لم تتقرب إلي بذكر هذا المال؟)) فقال: ((أيها الأمير! يمنعني من ذلك ما تولاه من اصطناعي)) فقال له: ((ليس يقنعني إلا أن تحلف برأسي على هذا المال، وفي أي وقت دفعه إليك)). فقال: ((يعفيني #29# الأمير من ذلك)). فقال: ((والله لا فعلت)). فقال: ((وحق رأس الأمير ماله عندي درهم واحد فضلا عنه، ولكني لما رأيته قد عاذ بالدعوى علي، تيقنت أنه لم يبق له حيلة في المدافعة عن نفسه، فعملت على تحمل هذا المال، ووالله ما أملكه، ورجوت أن أصل إليه بجاهي ولطيف حيلتي)) فاستحضر الموفق الخط ودفعه إلى الطائي، فقال له: ((خرقه)). ثم تقدم بإعفاء صاعد من المطالبة)).
صفحہ 27