أو أكثر من الاثنين: لا يخلو كل واحد منهما من أن يكون قادرا على صاحبه، أو غير قادر عليه، فإن كان كل واحد منهما قادرا على صاحبه، فهذا معنى الواحد، وإن كان كل واحد منهما غير قادر على صاحبه كانا موصوفين بالعجز، فكيف يكون العاجز مستحقا لإحداث شيء من الأشياء؟ وقالوا أيضا في فساد القول بالاثنين: لا يخلو كل واحد منهما من أن يكون يقدر على أن يفني صاحبه، فهذا هو الوصف بالواحد، وليس لذكر الاثنين مع هذه الصفة وجه، أو يكون كل واحد منهما لا يقدر على أن يفني صاحبه، فيكونا جميعا قد دخلا في باب العجز؛ فالداخل في باب العجز غير مستحق أن يحدث شيئا.
وقالوا أيضا في فساد القول بالاثنين: لا يخلو كل واحد منهما من أن يكون يخفي عن صاحبه أمرا، أو لا يخفيه، فإن كان كل واحد منهما يخفي عن صاحبه أمرا ويستره دونه، فقد دارت القصة من حيث ما دارت إلى أن يكون الاثنان الموصوفان بصفة واحدة في معنى الواحد، وبطل ذكر الاثنين واللفظ بهما، أو يكون كل واحد منهما لا يخفي دونه صاحبه أمرا، كانا جميعا موصوفين بالجهل والعجز، وفي صفة إياهما بذلك ما يخرجهما من حد إحداث الأشياء، والتدبير لها، فلما ثبت القول بما قلنا من هذا، وفسد القول بغير ذلك مما رسمناه في كلامنا هذا صح أن محدث الأشياء واحد لا اثنان، ولا أكثر من ذلك، وربنا محمود.
دفع التشبيه (¬1)
¬__________
(¬1) - نشأ مبدأ التشبيه من مذاهب الحلولية والتناسخية، ومن مذاهب اليهود والنصارى، فقد شبهت اليهود الخالق بالخلق، وشبهت النصارى الخالق بالخلق، وسرت هذه الشبهات في أذهان الغلاة.
وقد اعتمد الغلاة التشبيه لهدم مبدأ الألوهية؛ لأن التشبيه يجعل المشبه والمشبه به على مستوى واحد، وعلى مستويات متقاربة، ونتسائل: كيف يتصور الشبه بين القديم والمحدث؟ ومن زعم أن الباري سبحانه في مكان، أو على مكان، أو متصل بمكان، أو يتصور على الضمير أو يتخايل في الأوهام، أو يدخل تحت الصفة أو النعت فقد أشرك. راجع الغلو والفرق الغالية ص146.
صفحہ 17