ولم تصادفوا حقيقة العلة؛ إذ ليس كل جسم فاعلا، وأنتم تزعمون أنه إنما كان جسما لعلة أنه فاعل، فيلزمكم أن تجعلوا كل جسم فاعلا، وتبطلوا عما ليس بفاعل أن يكون جسما، ونحن نجد أجسما كثيرة وليست بفاعلة، فإن قالوا: لا نجد ها هنا ولا نعقل فيما بيننا فاعلا إلا جسما، قلنا: فإن كنتم على المعقول تثبتونه جسما، فهل ثبتموه بجميع ما تجدون من صفات الأجسام؟ وليس بين أن يخرج الشيء عن المعقول في وجه، وبين أن يخرج في وجهين فرق، وكذلك أكثر من ذلك، على أنهم لو رجعوا بصفة معبودهم إلى ما يجدون ويعقلون لأبطلوا عنه التسمية بالجسم، وإلا فليوجدونا جسما يخترع سماء وأرضا، ويعلم السر والضمير، وما يكون قبل أن يكون، فإن زعموا أنهم يعقلون ذلك ويتوهمونه صاروا إلى التحكم، وخرجوا من التصادق، وليس مع المباهتة (¬1) محاجة، ولا مع المجاحدة مناظرة (¬2) ،
¬__________
(¬1) المباهتة: يقال بهته أخذه بغتة، وبابه قطع، ومنه قوله تعالى: {بل تأتيهم بغتة فتبهتهم} سورة الأنبياء آية 40، وبهته أيضا: قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت، وبابه قطع، وقال تعالى: {فبهت الذي كفر} سورة البقرة آية 258، أي دهش وتحير، وقال تعالى: {هذا بهتان عظيم} سورة النور آية 16، أي كذب، وقال تعالى: {يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن} سورة الممتحنة آية 12، كناية عن الزنا، وقيل: بل ذلك لكل فعل شنيع يتعاطينه باليد والرجل.
(¬2) المناظرة: هي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارا للصواب، وقد يكون مع نفسه.
والمجادلة: هي المنازعة في المسألة العلمية لإلزام الخصم، سواء أكان كلامه في نفسه فاسدا أو لا، وإذا علم بفساد كلامه وكلام صاحبه فنازعه فهي المعاندة.
وأما المغالطة: فهو قياس مركب من مقدمات شبيهة بالحق، ويسمى سفسطة أو شبيهة بالمقدمات المشهورة، ويسمى مشاغبة.
وأما المناقضة المصطلح عليها في علم الجدل: فهي تعليق أمر على مستحيل، إشارة إلى استحالة وقوعه، كقوله تعالى: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) سورة الأعراف آية 40.
صفحہ 163