وكل هذا دليل على صحة أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ ووجوب قبول قوله فيما أتى به من إحلال السبت، ونسخ شريعة اليهود، وربما اعتل قوم من اليهود في دفع نبوة النبي عليه السلام بأن يقولوا للمسلمين: أنتم موافقون لنا على صحة نبوة موسى، ونحن نخالفكم في نبوة محمد، فيجب أن نأخذ بما اتفقنا عليه، وندع ما نختلف فيه، فيكون ديننا صحيحا لهذه العلة (¬1) ودينكم فاسدا، وهذا الاحتجاج فاش (¬2) في عوام اليهود، وإن كان ذلك عند متكلميهم اعتلالا ساقطا واهيا لا معنى له عند جماعة المتكلمين وأهل النظر، من قبل أن المذاهب والديانات لا تصح بموافقة الموافقين عليها، ولا تفسد بمخالفتهم لها، وإنما تصح بالدلائل والحجج، فيقال لمن يعتل بذلك من اليهود: أخبرونا عمن أقر بنبوة إبراهيم وجحد نبوة موسى، واحتج عليكم بمثل هذا الاعتلال، سواء أيكون هذا مصيبا في دفع نبوة موسى؟ ولو كان هذا حجة في دفع نبوة نبي من الأنبياء لكان حجة لمن دفع الرسل، وأنكر أن يكون الله بعث رسولا، فتقول البراهمة لنا ولكم ولسائر المقرين بالرسل: قد اجتمعنا نحن وأنتم على الصانع، واستعمال ما يجب في العقول، وانفردتم أنتم بادعاء الرسل، فيجب أن نأخذ بما اجتمعنا عليه من التمسك بما يجب في العقول، وندع ما اختلفنا فيه من ادعائكم الرسل، وهذا أوضح بطلانا من أن يتكلم فيه بأكثر من هذا، والله ولي التوفيق.
القول على النصارى (¬3) :
¬__________
(¬1) في (ب) السبب بدلا من (العلة).
(¬2) فشا الخبر: ذاع، وبابه سما، والفواشي: كل شيء منتشر من المال كالغنم والسائمة والإبل، وغيرها، وفي الحديث "ضموا فواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء".
(¬3) النصارى: جمع، وأحدهم نصران، كما واحد السكارى سكران، وواحد النشاوى نشوان، وكذلك جمع كل نعت كان واحده على فعلان، فإن جمعه على "فعال"، إلا أن المستفيض من كلام العرب في واحد النصارى "نصراني"، وقد حكى عنهم سماحا "نصران" بطرح الياء، ومنه قول الشاعر:
تراه إذا زار العشي محنفا ويضحي لديه وهو نصران شامس
وسمع منهم في الأنثى نصرانة، قال الشاعر:
فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف
وقيل: إنهم سموا نصارى من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها "ناصرة". راجع تفسير الطبري 2: 144، وتفسير القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى} (سورة البقرة: 62).
صفحہ 104