وأما في مصر فاجتمع الأمراء يتشاورون في من يلي أمرهم، وقر رأيهم على طومان باي وكان مدبر الملك في غياب الغوري، فتمنع أولا فحلفوا له على أنهم لا يخامرون عليه ولا يغدرون به، فأذعن وبايعوه الملك بحضرة والد الخليفة بالوكالة عن ابنه والقضاة الأربعة، وسمي الملك الأشرف أيضا، وروى بعضهم أن جان بردي الغزالي نائب حماة كان ممن خامروا على الغوري، وانحاز إلى السلطان، وروى غيرهم أنه عاد إلى مصر وجعله طومان باي نائب دمشق، وتوجه قبل الجميع ليوقف سير السلطان إلى مصر، والتقى عساكر السلطان بالقرب من بيسان واقتتلوا قتالا شديدا، فانكسر الغزالي وقتل خلق كثير من عسكره ... وزحف السلطان سليم بجحافله وبلغوا الريدانية، فكانت هناك وقعة هائلة تشتت بها المصريون، وثبت الأشرف طومان باي بنفر قليل إلى أن خاف القبض عليه، فولى واختفى ودخلت جماعة من العثمانيين مستلين سيوفهم، وأحرقوا بعض الدور ونهبوا بعضها، وتبعهم الخليفة ووزراء السلطان ونادوا بالأمان، وفي افتتاح سنة 1517 وفد السلطان إلى القاهرة، وأمر بالانكفاف عن النهب وأشخصوا أمامه من قبضوا عليهم من الجراكسة، فأمر بقطع أعناقهم، ووثب بعد ذلك طومان باي على محلة السلطان، واحتاطها بالعسكر فدام القتال الليل كله إلى الصباح ثم اليوم التالي، فطرد العثمانيون المصريين من بعض المحال، ولما رأى طومان باي أن انتصاره ممتنع هرب إلى الصعيد، ثم انثنى بعسكر التف إليه يطلب القتال، فأرسل له السلطان منشور الأمان فلم يقبله، فنهض إليه السلطان إلى بر الجيزة، فكانت موقعة أخرى هائلة دارت بها الدوائر على طومان باي، فانهزم ونزل على صديق له فأحدق به العربان، وأعلموا السلطان بأمره فأرسل جماعة قبضوا عليه وغللوه، وبقي أياما عنده ثم أمر بشنقه، وانقرضت به دولة الجراكسة بعدأن دامت مائة وإحدى وعشرين سنة قمرية، وأصبحت سورية ومصر من ذلك اليوم إلى الآن في قبضة سلاطيننا العثمانيين العظام.
المقال السادس
في تاريخ سورية في أيام السلاطين العثمانيين العظام
في السلاطين العثمانيين في القرن السادس عشر وما كان في أيامهم من الأحداث
بسورية
(1) في السلطان سليم الأول وما كان في أيامه بسورية
العثمانيون فصيلة من الأتراك ينتسبون إلى عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه سلطان ماهان الذي ارتحل بعشيرته نحو المغرب سنة 1251، وكان أرطغرل ينجد علاء الدين السلجوقي سلطان قونية، فولاه على عدة أعمال إقطاعا له فزادها بأخذه قره حصار وغيرها من ملك الروم، وتوفي سنة 1288، فخلفه ابنه عثمان، ولما قتل التتر علاء الدين السلجوقي استقل عثمان بما كان بيده، وحارب الروم ووسع تخوم مملكته، وتوفي عثمان سنة 1326 وخلفه ابنه أدرخان وخلف هذا ابنه مراد الأول ثم جلس على العرش بايزيد الأول إلى السلطان محمد الثاني، الذي فتح القسطنطينية سنة 1453 وإلى السلطان سليم الأول الذي أخذ سورية ومصر كما مر.
وبعد أن دبر السلطان سليم مهام مصر وأقام بها خالد بك الذي خان طومان باي، وتخلى له الخليفة المتوكل على الله عن الخلافة الدينية سار إلى سورية ونصب جان بردي الغزالي نائبا للسلطنة بدمشق، وأضاف إليها القدس وغزة وصفد والكرك وأقام عمالا لحلب وحمص وأطرابلس والمدن البحرية، وكتب إلى أمراء لبنان يؤمنهم ويدعوهم إليه، فحضر الأمير فخر الدين بن الأمير يونس معن فولاه على الشوف، والأمير جمال الدين اليمني، وولاه على الغرب والأمير عساف التركي، وولاه على كسروان وبلاد جبيل، وأما أمراء الغرب التنوخية، فلم يحضروا خشية من السلطان؛ لأنهم كانوا من محازبي المماليك، وأوصى السلطان من ولاهم بأن يجهدوا نفوسهم في تعمير البلاد، ونجاح أهلها ... ونرى لبنان ذلك الحين ازداد عمرانا فأتاه بعض شيعية من بلاد بعلبك، وتوطنوا بعض قرى كسروان وجبيل وبعض الدروز من الجرد، وسكنوا المتن الشمالي وبعض النصارى من جهات أطرابلس إلى كسروان، وارتحل الشيخ حبيش من يانوح إلى غزير، وجعل الأمير عساف مقره في غزير وكان يسكن قبلا في عينطورا ويمضي الصيف بعين شقيف، وتوفي الأمير عساف سنة 1518، وخلفه في ولاية كسروان ابنه الأمير حسن فغدر به وبأخيه حسين أخوهما الأمير قيتبة وقتلهما، وتولى كسروان وقبض على يوسف وسليمان ابني الشيخ حبيش ونفاهما إلى مصر؛ لأنهما كانا يخدمان أخويه، وأما السلطان سليم فبعد أن دبر مهام دمشق سار إلى حلب، فرتب أمورها وعاد إلى القسطنطينية ثم توفي سنة 1520. (2) في ما كان بسورية في أيام السلطان سليمان الأول
بعد وفاة السلطان سليم الأول خلفه السلطان سليمان الأول ابنه سنة 1520، ولما وصل خبر ارتقائه إلى دمشق سولت للغزالي واليها نفسه أن يجاهر بالخروج عن الطاعة، واستولى على قلعة دمشق وأرسل أحد أتباعه؛ ليحتل بيروت وجد في استمالة خاير بك عامل مصر إلى الخروج معه، فلم يجبه بل أرسل إلى السلطان كتاب الغزالي إليه فجهز السلطان فرحات باشا بجيش كاف لكبت الغزالي، فسار وانتهى إلى حلب فوجد الغزالي محاصرا لها، فارتحل الغزالي عنها إلى دمشق وتحصن بها فتأثره فرحات باشا وحاصره بدمشق، فخرج الغزالي لقتاله فهزمه فرحات باشا، وفر متنكرا لكن خانه بعض أصحابه وسلمه إلى فرحات باشا، فقطع رأسه وأرسله إلى السلطان.
وفي سنة 1523 توفي الأمير قيتبية ابن الأمير عساف بغزير، وخلفه الأمير منصور ابن أخيه وانبسطت ولايته إلى عكار، وكانت ولاية أطرابلس لنائب من قبل السلطان، والتزمها محمد أغا بن شعيب من أهل عرقا، وأجر الأمير منصور بلاد جبيل والبترون وجبة بشري والكورة والزاوية والضنية، ورد الأمير منصور الشيخين يوسف وسليمان ابني حبيش، اللذين كان عمه قيتبية قد نفاهما، ونصب الشيخ هاشم العجمي عاملا في بلاد جبيل، وجعل ابن عمه عبد المنعم قيما على أملاكه، وفي سنة 1528 وقعت نفرة بين بني شعيب من عرقا وبني سيفا أمراء عكار، وارتحل بنو سيفا من عكار إلى الباروك لائذين بحمى الأمير فخر الدين معن الذي أخذ يناصرهم، وأرسل بثلاثمائة رجل فكبسوا بني شعيب في عرقا، وقتلوا أكثرهم وتولوا بلاد عكار، فخنق محمد أغا بن شعيب حاكم أطرابلس على الأمير منصور، وادعى عليه بمال فأرسل إليه الأمير منصور عبد النعم وابني حبيش المذكورين ومعهم نحو خمسمائة رجل كمنوا عند حارة الحصارنة بأطرابلس ، وطلبوا إجراء الحساب مع ابن شعيب بحضرة القاضي، ولما حضر وثب عليه مفوضو الأمير منصور فقتلوه، وألحقوا به ابنه وأخذوا تقريرا من القاضي بتبرئة ساحتهم من القتل.
نامعلوم صفحہ