محاورات الفرد نورث وايتهيد
محاورات ألفرد نورث هوايتهد
اصناف
وتحدثنا فيما حققوه في الفنون الخلاقة؛ في الموسيقى مثلا، وهي الصورة الفنية السائدة في عصرنا، أو كانت كذلك حتى العقد الثالث من القرن العشرين. إنهم يقدمون لنا في الموسيقى مؤلفين من الطراز الأول، من مندلسن إلى أرنست بلوخ، ووفرة من العازفين، فنانين لامعين في الأداء، وبخاصة في عشرات السنوات القلائل الماضية، من عازفين على كمان، إلى عازفين على البيانو، إلى قواد الأوركسترا. كما قال هوايتهد إنهم أنتجوا بعضا من علماء الرياضة الممتازين.
وكنت أترقب دوري في الكلام لأسأله رأيه في تقدير المستقبل لأعمال لورنس لول:
- «إليوت.» - «لقد قام إليوت بعمل نافع جدا. إنه حطم التقليد الكلاسيكي في الكلية الأمريكية، وما كان للكلية هنا أن يكون لها معناها في أوروبا لأنكم بعيدون جدا عن مصادرها، ليس لكم اتصال جغرافي مباشر بالمدينة الإغريقية الرومانية القديمة، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، ولكنكم لا تتصلون كذلك بعالم العصور الوسطى الذي نقل هذه المدنية، ثم إن العلوم الإنسانية - كما تدرس في الجامعات وكما تشتق من اليونان والرومان - تفصل حياة التأمل عن العالم العملي الذي ينشأ في مجتمع به رقيق، إن الرقيق يقومون بالجانب الأكبر من العمل اليدوي، ولا بد من تدريب اليد والذهن معا، وقد فتح إليوت مجال الدراسة كله للاختيار وأبقى عليه مفتوحا فترة من الزمن. وأخيرا، وفي الوقت المناسب جاء لول، فوفق بين الجوانب المختلفة، وقد جاء بعيد اللحظة الصحيحة، وكان ما قام به عملا جريئا شاقا.»
قلت: «يقال إن الرئيس المتقاعد إليوت قد قال إنه بعدما كرس حياته لتحويل هارفارد من كلية إلى جامعة، كرس لول حياته لتحويلها من جامعة إلى كلية مرة أخرى. وربما لم يقل بذلك إليوت، وربما كانت المقابلة مجحفة .»
فقال هوايتهد: «لقد عني لول كذلك عناية كبرى بالمدارس العليا، وقام بعمل آخر كانت الحاجة إليه ماسة، وهو إسكان الشبان.»
وقالت مسز هوايتهد: «قال لي مستر لول مرة في شيء من الفخر إنه حينما كان فتى في السادسة عشرة من عمره هنا في هارفارد، يسير على شواطئ النهر التي لم تكن ممهدة في ذلك الحين، حدث نفسه قائلا: «لو كان لي نفوذ في هذا المكان قمت بعملين؛ أنقل الكلية إلى شاطئ النهر، وأهدم ساحل الذهب.»
1
ثم أضاف قائلا: «وقد قمت بالعملين.»»
قلت: «كنا في القرن التاسع عشر نضع نظمنا الجامعية على غرار النظم الألمانية. أما في القرن العشرين فالظاهر أننا بدأنا ننقل عن الإنجليز، وإني لأعجب على أية صورة سوف تكون نظمنا.» - «لست من أولئك الذين يقللون من شأن ما يعمل في جامعات الولايات الكبرى في الوسط والغرب الأقصى؛ فهناك محاولات أكثر للتوفيق بين الدراسة النظرية والحياة العملية. وأعتقد أن هتشنز في شيكاغو كان على خطأ شديد حينما هزأ منها لما فيها من دراسات في المهارات العملية، وبما كانت بعض الدراسات التي أسماها «مهارات عملية منزلية» سخيفة - لست أدري - بيد أن المبدأ ليس سخيفا. أما هنا في الشرق، فالعلوم أفضل من الدراسات الإنسانية لوجود العمل في المعامل، عمل يؤدى ويختبر، ويبلغ حد الدقة، ولا يترك معلقا في الفضاء.» - «إن اهتمام لول المعروف بقسم التاريخ واللغة الإنجليزية هو - كما أفهمه - محاولة للقيام بعمل شبيه بما تقوم به أكسفورد في دراسة اللغة الإنجليزية، ولكن السؤال لا يزال قائما: كيف يمكن ربط هذه الدراسات بالحياة العملية؟»
قال: «أرجو ألا تحسب أني أقول إن الإغريقية واللاتينية ليستا من الدراسات الممتازة لمن يدرك معناهما. وإنما أردت أن أقول إنكم في أمريكا - وأنتم على مبعدة من الاتصال المباشر بالمدنيات القديمة والوسيطة - إنكم في حاجة إلى مزيد من الخيال عما يلزم لجميع الطلاب، إذا استثنينا قلة منهم؛ لكي تدركوا كنه العوالم القديمة من الكتب. إن زملاءكم في أكسفورد - سر رتشارد لفنجستون على سبيل المثال - يقرءون اليونانية واللاتينية دائما باحثين عن أثر ذلك في حياتنا اليوم، وكيف نستطيع أن ننتفع به في العالم الحديث؟» - «كان سر دافيدروس، الذي قدم إلينا في عيد الميلاد، يتحدث عما لام به أحد النقاد الجامعات الأمريكية - وأظنه أبراهام فلكسنر - وقال إنه كان يكتب ويفكر كأن الجامعات إنما تنشأ للدارسين الباحثين وحدهم، أو إذا لم يكن ذلك، فلكي نخرج الباحثين؛ في حين أن عدد الطلاب - كما قال - الذين يلتحقون بالجامعة، من المؤهلين لأن يصبحوا من العلماء الباحثين أو من العلماء قلة صغرى. وهل يقوم النظام الجامعي بأسره من أجل هذه القلة؟»
نامعلوم صفحہ