محاورات افلاطون
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
اصناف
سقراط :
أي عزيزي أقريطون! ما أعز حماسك وما أنفسه، لو كان في جانب الحق، أما إن كان للباطل فكلما ازداد الحماس اشتعالا ازداد الأمر سوءا. فلننظر إذن إن كانت هذه الأعمال واجبة الأداء أم ليست كذلك؛ فقد كنت دائما، وما أزال، من تلك الطبائع التي تلتزم دليل العقل، كائنا ما كان رأيه، ما دام يبدو عند التفكير أنه الرأي الأمثل. أما وقد أصابتني هذه المحنة فلا يسعني أن أهمل الآن ما ارتأيته قبلا؛ فما زالت مبادئي التي طالما أجللتها وقدستها، تنزل عندي منازل الإحلال والتقديس.
3
فثق أني لن أظاهرك في الرأي، اللهم إلا إذا اهتدينا الآن إلى مبدأ يكون خيرا منها. نعم، لن أصغي إليك حتى ولو زادني الدهماء حبسا ومصادرة وموتا، ملقين في نفوسنا من أراجيف الشياطين المفزعة ما نفزع به الأطفال؟ فأي سبل التفكير أهدى إلى بحث هذا الموضوع؟ أعودا إلى رأيك الذي سقته من قبل عما يقول الناس عنا، وبعضه يستحق الاعتبار دون بعض كما سبق لنا القول؟ أكنا نصيب لو أننا أخذنا برأيك (وهو أن يقام وزن لما يقول الناس) قبل الحكم بالإدانة؟ أم هل ينقلب الرأي الذي كان صائبا حينا ما، كلاما لمجرد الكلام، ويتبين أنه لم يكن في الواقع إلا عبثا اتخذ سبيلا للتسلية واللهو؟ ابحث معي هذا يا أقريطون، أترى أن لم يعد منطقي الذي اتخذته أولا يلائم على أية حال ما يكتنفني الآن من ظروف، أم لست ترى الأمر كذلك؟ ثم هل هو حقيق عندي بالرفض أم بالقبول؟ إن كثيرا ممن يزعمون لأنفسهم رجاحة الرأي يذهبون فيما أعتقد إلى هذا الذي أشرت إليه من قبل، وهو أن من الناس بعضا يجدر بآرائهم الاعتبار، وأما بعضهم الآخر فلا يصح أن يؤبه له. وأنك يا أقريطون لست مقبلا غدا على موت، أوليس هناك احتمال بشري بهذا على الأقل؛ فأنت إذن حكم صالح، لا يؤثر فيك الهوى ولا تميل بك ظروفك وموقفك عن جادة الحق. حدثني إذن: ألست مصيبا فيما أزعم، بألا نقدر من آراء الناس إلى بعضها فقط؟ لقد أخذت بهذا الرأي، وأنا أسائلك هلا تراني قد أصبت فيما ارتأيت؟
أقريطون :
ليس في ذلك ريب.
سقراط :
ألا يجب أن نحفل بما يقوله أبرار الناس دون شرارهم ؟
أقريطون :
بلى.
نامعلوم صفحہ