التفت مجددا ليجد امرأة مبتلة الشعر والوجه تقترب من الباب، فقال بشيء من الحرج: اعذريني .. لم أرك جيدا. - يبدو أنك استهلكت وقتا طويلا في الكتابة هذا اليوم.
راح يتأمل ملامحها، وظل صامتا في محاولة ليتذكر إن كان يعرفها أم لا، إلى أن قال باستغراب واضح في نبرة صوته: هل التقينا قبل الآن؟ .. يبدو أنك تعرفينني جيدا.
كانت لم تزل خارج عتبة الباب ولم يخط خطوة واحدة صوبها، فقررت أن تدخل إليه وتقول ببسمة خفيفة: لا عليك .. اسمي هدى .. أعتذر إن كنت قد أزعجتك في شيء، ولكن كما ترى قد سقط خزان ماء من أعلى البناية أمامي وامتلأت بالماء. أريد فقط أن أعيد تسريح شعري .. ألديك منشفة؟
ظل برهة في حيرته واستغرابه، فقالت وكأن صبرها قد بدأ ينفد: لا تمتلك مرآة أم أنك لا تريد استقبالي؟
أشار إلى جهة الحمام مجيبا: الحمام من هنا .. أذكر أن فيه مرآة ومنشفة أيضا.
اتجهت هدى صوب الحمام فيما عاد جاد إلى مكتبه وراح يمزق محاولته بالكتابة لنجاة أو عن النجاة؛ مزق الورقة وألقاها بين كومة أوراق أخرى، وبعد برهة اتجه إلى الحمام، وقف طويلا أمام بابه ينتظر خروجها؛ عساه يفهم من تكون تلك الفتاة وماذا تريد. طرق الباب بتردد، ولم يسمع إجابة، طرقه بشكل أقوى فانتبه إلى أن الباب لم يكن مغلقا. فتحه ببطء ولم يجد أحدا. فعاد إلى مكتبه ليبدأ محاولة أخرى في تخليد نجاة.
2 «لطالما اعتقدت أني الأكثر عنادا في هذا العالم، وقد كنت فرحا لعنادي، فلم أتصالح في أي يوم مع العالم وبؤسه، وقد أخبرتك بذلك أيضا ولكنك كنت أكثر عنادا مني، ربما لأنك كذلك، وربما لأنك كنت مأخوذة بحالة الحب التي أحاطت بنا، قلت لك حينها: لن تطيقي العيش معي.
وأجبت يومها: لن أطيق العيش إلا معك.
أخبرتك بل حذرتك بأنك سوف تندمين؛ فأنا إنسان يعيش في خياله وأحلامه، فصدح صوتك: دعنا إذن نعيد تخيل تجربتنا الإنسانية ونعيشها من جديد.
شعرت بأنني ورثتك الحلم؛ المرض المعدي الذي جعلني أخسر وظيفتي وحياتي، وجعل الأصدقاء ينفرون مني، الأصدقاء المتورطون بل المفرطون في واقعهم، وخسرتهم واحدا واحدا، أما أنت فقد فتحت ذراعيك ترحيبا بفيروس الحلم ولم يكن أحد في العالم بأسره يعرف بأن حلمنا سيغدو كابوسا بعد سنين قليلة من بدء حبنا لتموتي أنت وأنجو أنا، وربما نجوت أنت ولم يمت غيري .. ربما كل ما أفعله الآن ليس إلا محاولة فاشلة للنجاة من ذاك العذاب الذي يصيبني كلما مسكت قلما وجربت أن أخلدك به، هذا الذي ساهم بقتلك كيف يمكن له أن يخلدك؟»
نامعلوم صفحہ