التهمة الثانية ..
حينما اشتد الصراع بيني وبين موظف الهويات والجوازات، وبعد أن صرخ في وجهي أن لا وجود لي على جهاز حاسوبه، لكمته في خصيتيه، أولا لأبرهن له أني موجود، وثانيا لأحرمه من تناسله في الوجود.
التهمة الثالثة ..
عقدت صلحا مع نفسي، وآمنت أني لست هنا، وأنني فعلا لا أحد، فأنزلت سحاب بنطالي وتبولت على مغلفات ومخلفات الهوية.
وحتى وقت طويل من صدور التهم لم تصدر مذكرة واحدة بإيقافي وربما صدرت ولكن عناصر الأمن لم يجدوني كما حدث في محاولة الانتحار الأولى.
4
مرة أخرى لم تنتبه إيناس لغريب، ومرة أخرى تجده على حافة السطوح محاولا الانتحار .. مرة أخرى تمنعه من ذلك.
في كل ليلة كانت تشاهده وهو على حافة الموت كانت تجذبه إليها، وأكثر ما كان يثير ريبة وخوف غريب أنها لا تأتي إلا عندما يهم بالموت، فبعدما آمن غريب أن لا وجود له في هذا العالم، قرر أن ينتحر آملا بأن يجد لنفسه وجودا ما في مكان ما.
ولم يكن بحاجة إلى أي رجاء أو توسل من إيناس حتى يتراجع، فقد كان بالفعل مترددا ليس رغبة بالحياة، بل خوفا من المجهول الذاهب إليه؛ فإن عثر لنفسه عن وجود في المكان الآخر، فهل سيجد إيناس هناك؟ هذا سؤال يؤرق غريب في كل محاولة جديدة يخطوها صوب الموت، إلى أن فضل أن تكون هي ولا يكون، على أن يكون ولا تكون؛ فتشبث بالحياة رغم ما فيها من بؤس.
دائما ما تستطيع الحياة أن تفاجئه بقدرتها المهولة على سحقه بكل ما فيها من وجع، وأقسى ما حدث له أن إيناس قد سافرت منذ اليوم الأول الذي شاهدها فيه وتجاهلته. فبعد أن اقتنع غريب أن الحب نفسه بحاجة لإذن من الهوية حتى يصبح علاقة وحقيقة، عزم أمره بالتوجه إلى بيتها والسؤال عنها، تلك الفتاة الجميلة التي تمنعه مرارا من الانتحار، تلك الآسرة التي تسمعه كل ليلة أغنية وكلمات تثير فيه التشبث بالحياة، إنها تستحق وبلا شك أن يرتبط بها، فبارتباطه بها يرتبط بالحياة.
نامعلوم صفحہ