60

محمد علی جناح

القائد الأعظم محمد علي جناح

اصناف

ضاعت الروح ... كل شيء ضاع.

هذه نتف متفرقة من كلمات جناح في معارض شتى، نحسبها نموذجية في التعريف بخصائص بيانه، وهو وسيلة من وسائل نجاحه في زعامته، وفيها كذلك تعريف بمناحي تفكيره، وهو على جملته تفكير صريح سهل مستقيم.

على الحاشية

العزيمة والفصاحة والقدرة على التنظيم عناصر ملموسة في كيان القائد الأعظم، ولكنها لا تحصر جميع الخصائص التي تتألف منها معالم هذه الشخصية، تلك هي عناصر نجاحه في الزعامة، ولكنها تقترن بصفات أخرى على حاشيتها ترسم لنا سائر معالمها، وقد تكون أيضا من عناصر النجاح أو العناصر الفعالة في ولايته لأمور الدولة الجديدة.

من تلك الصفات خليقة المسالمة.

ويدهش كثير من الناس إذا سمعوا أن هذا الرجل الصارم مسالم؛ لأن الصرامة في الأذهان عامة مرادفة للشدة في معاملة الآخرين والتحفز لمخاشنتهم والجور عليهم، ولعلهم لا يخطئون في الجمع بين الصرامة والجور في خلة واحدة، إلا أن الصرامة في صميمها صرامتان: إحداهما صرامة في دفاعنا عن حدودنا، والأخرى صرامة في الجور على حدود غيرنا، وشتان ما بين الخليقتين.

إن الرجل الذي يشتد في الذود عن حدود حقه قد يكون مثلا للمسالمة إذا أمن على تلك الحدود، وقد يصوره للناس في صورة الجائر المعتدي أن تضعه الحوادث في مقام الدفاع أبدا فلا يتخيلونه إلا مشتدا محتدا متحفزا متوفزا، لا يؤمن جواره ولا تهدأ ثورته، ومن استغرب وصف جناح بالمسالمة لعله يتصوره دائما في تلك الصورة الثائرة دفاعا عن موقف أو كشفا للعدوان في موقف خصومة، بيد أن المتابعة والاستقصاء تنتهي بكل ثورة من تلك الثورات الصارمة إلى حد تقف عنده ولا تتخطاه، وليست كذلك ثورة الجور والعدوان.

تجلى خلق المسالمة فيه يوم سالت الدماء في الهند وتوالت الأنباء عن مقاتل المسلمين في مساكنهم أو في طريقهم إلى الباكستان، وغلت الدماء في العروق وأوشك الزمام أن يفلت من الأيدي، وخيف في كل مكان أن يتغلب الغيظ على الحكمة والرحمة، وأن يطيش الثأر فيؤخذ الأبرياء بذنوب المجرمين، ويقع العدوان على قوم من البراهمة انتقاما للمسلمين الذين قتلهم البراهمة في غير الباكستان.

في تلك الأيام لم ينم جناح ولم يغفل لحظة عن مواطن القلق والخوف، وطفق يرسل النداء بعد النداء، ويطلق الوعاظ في الحواضر والقرى ليبصر الناس بأوامر دينهم، وما يجب عليهم لإخوانهم في وطنهم، حتى حفظت الباكستان مسلمها وبرهميها كلمته التي كان يرددها: إن ظلم البريء انتقاما من الظالم مجاراة للظلم وإجرام فوق إجرام.

وتجلى هذا الخلق في معاملته للحكومات المجاورة كما تجلى في معاملته لرعاياه، فكانت أوامره المتلاحقة لجنوده أن تسالم ولا تهاجم، وأن الدفاع إذا وجب فهناك يسمعون منه أمر الدفاع إلى أن يبيد آخر رجل، بل آخر امرأة وآخر طفل قبل أن يفرطوا في قيراط من حوزتهم، أما قبل ذلك فلا محل للحرب ما دام في السياسة متسع للسلام.

نامعلوم صفحہ