محمد علی جناح
القائد الأعظم محمد علي جناح
اصناف
وكان ينكر على الإنجليز في وجوههم تعاليهم على الرعية الوطنية ويحذرهم عاقبة هذا الكبرياء، ولكنه كان يكتب إلى خاصته وهو في بلاد الإنجليز؛ فيصارحهم في ألم شديد معترفا بأن الفارق بين المجتمع الإنجليزي والمجتمع الهندي كالفارق بين جماعة من الآدميين وقطيع من العجماوات.
ويعجب أصحابه لأمره بين النصح بالتقية السياسية وبين مجاهرته بكل ما يعتقده مجاهرة لا تعرف التقية والحيطة، ولا ترهب المقاومة والمعارضة، وكانت الدعوة الوهابية في إبانها حين نشط لدعوة الإصلاح، وكان يأخذ عليها اليبوسة والمبالغة في التحرج، فإذا قيل له: ما بالك إذن تنحو نحوهم في مجابهة الناس بما ينفرون منه، وتصر على مجابهتهم وهم نافرون، قال: إذن أنا وهابي الوهابيين إن كانت الوهابية أن تجهر بما تدين.
المارد الحق
والمارد الحق إنما يبدو لنا في جبروته، بل في ضخامة جبروته، إذا عرفنا أنه عمل ونجح في عمله، وأدرك غاية النجاح مع كثرة خصومه، وكثرة الآراء التي تعارض رأيه حتى بين أعوانه ومريديه.
فإذا مضيت في استقصاء علاقاته مع من حوله جزمت أنه لم يكن على وفاق مع أحد، لم يكن على وفاق مع الإنجليز، ولم يكن على وفاق مع البراهمة، ولم يكن على مع المسلمين المحافظين، ولم يكن على وفاق مع المسلمين المجددين، ولكنه عمل ونجح في عمله غاية النجاح الذي يتسنى لأحد في موقفه، وكان له أعوان من جميع هؤلاء المخالفين، طائعين أو كارهين، أو ليس فيهم كارهون على التحقيق، بل مستسلمون يفوضون الأمر ويستسلمون.
مرجع ذلك إلى الثقة بصدقه وإخلاصه، ولكن لا إلى هذه الثقة وحدها؛ لأن الصادق المخلص في غير قوة وعزم قد يفلح فلاح فرد، ولا يتسنى له أن يفلح في انتزاع الملايين من جمودهم وتحويلهم عنوة من حال إلى حال .
مرجع ذلك إلى القوة الماردة التي أسلست له قبل كل شيء زمام الثقة بنفسه، فوثق به كل من تحدث إليه وعمل معه وأيقن بيقينه، ونظر الرجل إلى مهمته الضخمة فوزنها بميزان قوته وإخلاصه، فإذا هي مستطاعة مفهومة محدودة الأهداف، وإذا هو يمضي فيها مضي سالك الطريق المعبد الذلول، ولو غيره نظر إلى ذلك الطريق قبل المضي فيه لأحجم ولم يمض، وأحجم وراءه كل من رآه يقدم وينثني بعد إقدام.
خالف الجميع ولكنه جمعهم بغير خلاف على رأي واحد، وهو رأيهم في صلاحه وقدرته، وأنه يعني ما يقول ويعمل ما يعنيه، وحسب الأعمال الكبار نجاحا أن يتفق العاملون لها على الإيمان بقائدهم فيها، وإن اختلفوا بعد ذلك أي اختلاف.
وكأنما كان هناك ارتباط بين تاريخ أسرة السيد أحمد خان وتاريخ الحركات الدينية ودعوات الإصلاح في الهند، فوصل أجداده إلى دلهي مهاجرين من جزيرة العرب في إبان دعوة السلطان أكبر، الذي حاول التوفيق بين الأديان؛ فأخرج منها جميعا دينا موحدا عرف يومئذ بدين أكبر، ومات بموت صاحبه. وكان جد السيد في زمرة المعارضين له بإمامة شيخ الطريقة النقشبندية وزملائه المعروفين باسم المجددين، وقد كان شاه غلام علي رئيس المجددين صديقا للسيد متقي والد السيد أحمد، ولم يكن للولي الموقر عقب، فكان يقول: إن أولاد متقي هم أولاده في الله والروح، وشغل نفسه بتعليم الطفل كتابة اللغة العربية وتلقينه بعض الأحكام والفروض.
وينمى السيد أحمد من ناحية أمه إلى الخوجة فريد الدين أعلم أهل زمانه بين المسلمين بالعلوم الرياضية والعقلية، وصاحب الكفاية الملحوظة التي جعلت «هاستنج» يندبه لنظارة الكلية التي أنشأها لتعليم الوطنيين، وجعلت ولاة الأمر من إنجليز وهنديين يندبونه لمهام الوزارة والسفارة في إيران وبرما، وقد سمع به أكبر شاه الثاني فعهد إليه بوزارة القصر والخزانة، وكان نظامه الدقيق في الشئون المالية سببا للحنق عليه.
نامعلوم صفحہ