محمد علی جناح
القائد الأعظم محمد علي جناح
اصناف
والتعصب بين المختلفين في العقيدة من أهل الهند أصعب أنواع التعصب المعروف في كل اختلاف؛ لأنه لا يقوم على تباعد الآراء، بل على تباعد العادات الاجتماعية التي تحس فوارقها في كل يوم، بل في كل ساعة، ومن أعسر الأمور تعديلها؛ لأنها تتعلق بالحياة الأبدية لا بحياة الفرد من مولده إلى وفاته، فمن ولد من طبقة المنبوذين مثلا فهو قضاء أبدي يسبق مولده ويلاحقه بعد وفاته، فكل تعديل في نحلة من النحل أو في شعائرها ومراسمها فهو هروب من المشيئة الأبدية التي يتعلق بها خلاص الأرواح.
وقد تذمر البرهميون أشد التذمر حين أمرت الحكومة الهندية بإلغاء «السوتي» وهو إحراق النساء مع أزواجهن المتوفين، فلما صدر الأمر بإلغائه في سنة 1829 هبت عاصفة من السخط على الحكومة، وأمطرها البرهميون شكايات يلتمسون فيها إلغاء ذلك القرار، ويقاس على التشبث بهذه السنة مبلغ التشبث بغيرها مما هو أقل منها نكرا ومجافاة للشعور والعاطفة الإنسانية، فكل سنة، بل كل عادة، هي قضاء مبرم لا يجوز عليه التبديل أو التخفيف.
وقد وهم الكثيرون أن تحريم أكل الحيوان سنة عاطفية لجأ إليها البرهميون رحمة بالحيوان، ولكن الواقع أنها سنة تقليدية نشأت مع الإيمان بتناسخ الأرواح، وأن الأحياء الدنيا قد تحل فيها أرواح الناس على سبيل العقاب، فأكلها قطع لسلسلة التناسخ ودورة الأرواح في الأجساد من الآزال إلى الآباد.
فقد يكون الهندي مسامحا برأيه وفكره، وقد تكون عقيدته في الله عقيدة مسالمة لأصحابه ومعاشريه، ولكن المعضلة الكبرى هي هذه العادات التي تدور عليها معيشة كل يوم، وترتبط بها المشيئة الأبدية فلا تقبل المسالمة والمسامحة، وتلك هي المعضلة التي يعانيها المخالفون للعقيدة الهندية حين تكون السيطرة عليهم لأصحاب تلك العقيدة، وحين يكون المرجع كله إليهم في سلطان الدولة، وهذه المعضلة هي خلاصة الضرورة التي جعلت من الحتم الحاتم أن تنفصل الباكستان، أو كما قال القائد الأعظم في تلخيصها: «نحن نأكل البقرة وهم يعبدونها فكيف نتفق على نظام واحد.»
لهذا ولغيره من الاعتبارات الاقتصادية، والجغرافية، والعاطفية؛ أصبحت العقيدة قوام الأمة في الهند، وحدث في الهند ما لم يحدث في غيرها من قبل؛ وهو تحول الصلة الدينية إلى صلة قومية، فقيل في السيخيين مثلا: إنهم عقيدة أصبحت أمة؛ لأنهم أناس من سلالات الهند لا فاصل بينهم وبين سائر أبنائها بغير العقيدة، هذا والنحلة السيخية قد نشأت في القرن الخامس عشر للميلاد، فقس على ذلك نشأة الإسلام أو القومية الإسلامية بمقومات كثيرة غير العقيدة؛ وهي الثقافة، والدولة، والآداب الاجتماعية.
الإسلام والاستعمار
وكأنما كانت هذه العوامل القوية بحاجة إلى مزيد يوسع فوارق الانفصال فوق اتساعها؛ فجاءت سياسة الاستعمار بجملة من هذه الفوارق مقصودة أو غير مقصودة؛ إذ كان الاستعمار الإنجليزي قد تسلل إلى الهند وليس فيها دولة تقاومه أقوى من الدولة الإسلامية، فوقر في أخلاد المستعمرين أن الخطر على سيطرتهم إنما يتوقع من هذه الناحية قبل غيرها، وعملوا على إضعاف شوكة المسلمين وإقصائهم من الوظائف كبيرها وصغيرها، وكان المسلمون في إبان دولتهم قانعين من الحياة العامة بالوظيفة الحكومية، وذادهم عن الاشتغال بالصيرفة أنهم يحرمون الربا، وعن ملك الأرض أن الأرض لم تكن مملوكة لأحد ولكنها كانت متروكة للزراع وللجباة الذين يؤدون للحكومة حصتها من الضرائب، وكان أكثر هؤلاء الجباة من البرهميين المشتغلين ببيع الغلال وتصريفها، فلما أصدر الإنجليز قانونا لتسوية مسائل الأرض الزراعية جعلوا هؤلاء الجباة ملاكا، وجعلوا الزراع أجراء في أرضهم، واعتمدوا على هذا النظام زمنا لتحصيل الضرائب ومحاسبة الجباة عليها، فاجتمع الحرمان من الوظائف والحرمان من الأرض على إقامة العزلة بين المسلمين وغيرهم في الحياة الاجتماعية.
وقد كتب لورد «إلنبرو»
Ellenborough
مصرحا بهذا العداء فقال: ليس في وسعي أن أغمض عيني عن اليقين بأن هذا العنصر الإسلامي عدو أصيل العداوة لنا، وأن سياستنا الحقة ينبغي أن تتجه إلى تقريب الهنديين
نامعلوم صفحہ