راكعين، وساعدوا بقلوبكم إله النور على عدوه.»
وظل لاويص يتكلم بهذه اللهجة مبتدعا من خياله ألفاظا جديدة غريبة، مرددا كلمات ما سمعوها قبل تلك الليلة، حتى إذا ما مر نصف ساعة، وقد عاد القمر إلى سابق كماله وجلاله، رفع لاويص صوته عن ذي قبل، وقال بلهجة تعانقها رنة الغبطة والسرور: «قفوا الآن وانظروا، فقد تغلب إله الليل على عدوه الشرير، وتابع سيره بين الكواكب والنجوم، واعلموا أنكم بركوعكم وابتهالكم قد نصرتموه وسررتموه، ولذلك ترونه الآن أبهى نورا وأشد لمعانا.»
فوقف القوم وشخصوا بالقمر، فإذا به قد عاد ساطعا منيرا، فتحول خوفهم إلى طمأنينة واضطرابهم إلى مسرة، وأخذوا يقفزون راقصين، ويصرخون مهللين، ويضربون بنبابيتهم
17
صفائح الحديد والنحاس، مفعمين خلايا ذلك الوادي بعويلهم وضجيج لهجتهم.
في تلك الليلة استدعى زعيم القبيلة لاويص وقال له: «لقد أتيت في هذه الليلة بما لم يأته بشري قبلك، وعلمت من أسرار الحياة ما لا يعلمه بيننا سواك، فافرح وابتهج؛ لأنك ستكون من الآن وصاعدا صاحب المقام الأول من بعدي في هذه القبيلة، فأنا أشد الرجال بطشا وأقواهم ساعدا، وأنت أكثر الرجال معرفة وأكثرهم حكمة، بل أنت الوسيط بيني وبين الآلهة تبلغني مشيئتهم، وتبين لي أعمالهم وأسرارهم، وتعلمني ما أحب أن أفعله لأكون خالصا حاصلا على رضائهم ومحبتهم.»
فأجاب لاويص: «كل ما يقوله لي الآلهة في الحلم، أقوله لك في اليقظة، وما أراه من مآتيهم، أظهره لك فأنا الوسيط بينك وبين الآلهة.»
فسر الزعيم، ووهب لاويص فرسين، وسبعة عجول، وسبعين كبشا، وسبعين شاة، وقال له: «سوف يبني لك رجال القبيلة بيتا يماثل بيتي، وسيهدونك في نهاية كل موسم قسما من غلة الأرض وأثمارها، فتعيش سيدا مطاعا مكرما.»
وانتصب إذ ذاك لاويص للانصراف، فأوقفه الزعيم وسأله قائلا: «ولكن من هو هذا الإله الذي تدعوه بإله الشر؟ ومن هو هذا الإله الذي يجسر أن يصارع إله الليل البهي؟ إننا لم نسمع به قط، ولا علمنا بوجوده!»
ففرك لاويص جبهته وأجاب قائلا: «اعلم يا سيدي أنه في قديم الزمان - وذلك قبل ظهور الإنسان - كان جميع الآلهة يعيشون بسلام ومودة في مكان قصي وراء المجرة، وكان إله الآلهة - وهو والدهم - يعلم ما لا يعلمونه، ويفعل ما لا يستطيع أحدهم أن يفعله، يحفظ لنفسه بعض الأسرار الربانية الكائنة وراء النواميس الأزلية، ففي العصر السابع من الدهر الثاني عشر، تمردت روح «بعطار» وهو يكره الإله الأعظم، فوقف أمام أبيه، وقال: «لماذا تحتفظ لنفسك بالسلطة المطلقة على جميع المخلوقات حاجبا عنا أسرار الأكوان والنواميس والدهور، أولسنا أبناءك وبناتك، ومشاركين لك بقوتك وخلودك؟»
نامعلوم صفحہ