محاضرات فی لغہ
المحاضرات في اللغة والأدب
والطباع الطباع لست ترى في ... ها نُبُوًّا ولا اختلاف
ومن اختصه الإله بخير ... فهو فيه من دارج أو آت
نعم لا بأس بذكر الماضي من صلحاء الإخوان، والحنين إلى الأوطان، وإن ذلك يعد من حسن العهد، وفي الحديث أنه ﷺ دخلت عليه امرأة فأكرمها وقال: " إنَهَا كَانَتْ تَأتينَا أيّامَ خَدِيجَة، وإنَّ حُسْنَ العَهْدِ مِنَ الإيمَانِ ".
وكانت عائشة ﵂ تقول: ما غِرْت على امرأة ما غِرت على خديجة، وذلك من كثرة ما كان يذكرها ﷺ.
وقيل لبعض الحكماء: بمَ تعرف وفاء الرجل وذمام عهده دون تجربة واختبار؟ فقال بحنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وتلهفه على ما مضى من زمانه.
وعن الأصمعي قال: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل وذِمام عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه وكان سيدنا بلال ﵁ ينشد:
ألا ليت شعري هل أبيتَنَّ ليلة ... بوادٍ وحولي إذْخِر وجليل
وهل أردنْ يومًا مياه مَجَنّةٍ ... وهل يبدون لي شامة وطَفيل
وقد تقدم شيء من هذا قبل.
وقال أبو العباس بن العريف ﵁:
ما زلت مذ سكنوا قلبي أصون لهم ... لحظي وسمعي ونطقي إذ هم أنسي
حلوا الفؤاد فما أندى ولو قطنوا ... صخرًا لجاد بماء منه منبجس
وفي الحشا نزلوا والوهم يجرحهم ... فكيف قروا على أذكى من القبس
لأنهضنّ إلى حشري بحبهم ... لا بارك الله فيمن خانهم فنسي
" وقال غيره:
جسمي معي غير أن الروح عندكم ... فالجسم في غربة والروح في وطن
فليعجب الناس مني أن لي بدنًا ... لا روح فيه ولي روح بلا بدن
وقال آخر:
راحوا فباتت راحتي من راحتي ... صفر وأضحى حبهم لي راحا
فتحوا على قلبي الهموم وأغلقوا ... باب السرور وضيعوا المفتاحا
وقال غيره:
يا راحلًا وجميل الصبر يتبعه ... هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك جفوني وهي دامية ... ولا وفى لك قلبي وهو يحترق
وقال غيره:
ليكفكم ما فيكم من جوى ألقى ... فمهلًا بنا مهلًا ورفقًا بنا رفقا
وحرمة ودي لا سئمت هواكم ... ولا رمت لي منه فكاكًا ولا عتقا
سأزجر قلبًا رام في الحب سلوة ... وأهجره إن لم يمت فيكم عشقا
وقال غيره:
ما ناح في أعلى الغصون الهزار ... إلاّ تشوقت لتلك الديار
ولا سرى من نحوكم بارق ... إلاّ وأجريت الدموع الغزار
وا أسفي أين زمان الحمى؟ ... وأين هاتيك الليالي القصار؟
واحر قلبي فمتى نلتقي ... وتنطفي من داخل القلب نار
وأنظر الأحباب قد واصلوا ... ويأخذ الوصل من الهجر ثار
أقول للنفس ابشري باللقا ... قد واصل الحب وقر القرار "
وذكر في التشوف عن أبي شعيب السارية ﵁ قال: كان إذا وقف على قبر شيخه أبي علي المسطاسي يقول: أي رجل دفن هاهنا! ما رأيت مثله وأنشد:
أسفًا لأيام وإخوان مضوا ... ومنازل فارقتها مغلوبا
قلبت قلبي جمرة من بعدهم ... ولبست عيشي بعدهم مقلوبا
طالبت بعدهم الزمان بمثلهم ... فأجابني هيهات لا مطلوبًا
وحكي أيضًا عن أبي عمران الهسكوري الأسود أنه كان لا ترقأ له دمعة، فربما سئل عن كثرة بكائه فيقول: إنما أبكي على فقد من أدركته من الإخوان في الله ﷿.
ويحكى أيضًا عن أبي جعفر الأسود صاحب تاغزوت أنه كان يقول: أدركت ببلاد تادلا ثلاثمائة وسبعين رجلًا صالحًا كلهم يزارون، وأنشد:
فآهًا من الربع الذي غير البلى ... وواهًا من القوم الذين تفرقوا
أصون تراب الأرض كانوا حلولها ... وأحذر من مري عليها وأفرق
ولم يبق عندي للهوى غير أنني ... إذا الركب مروا بي على الدار أشهق
1 / 82