مغامرت عقل اولی
مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
اصناف
20
دون بقية ثقافات الشرق القديم، فذلك راجع لأسباب ثلاثة؛ الأول هو الوحدة الثقافية القائمة في هذا الجزء من المنطقة، هذه الوحدة التي تعطى لأي بحث يدور حولهما طابع الانسجام والتكامل. والثاني راجع لاتساع الموضوع وتشعبه، مما لا يسمح بدراسة وافية لميثولوجيا الشرق القديم في كتاب واحد ومن قبل مؤلف واحد. أما السبب الثالث فشخصي جدا، يرجع إلى ميل خاص إلى آداب هذه المنطقة، وولع بتاريخها وتراثها. وقد حاولت ألا يكون توجهي في هذا الكتاب إلى زمرة معينة من القراء، بل إلى زمر متعددة. فالقارئ العادي سيجد فيه موضوعا جديدا على الكتابات العربية الحديثة؛ لأنه أول كتاب يعالج موضوع الأسطورة على هذا المستوى من الإحاطة. وسيجد القارئ المطلع كثيرا من المعلومات الجديدة والتفسيرات الجديدة. كما سيجد المهتمون بالديانات المقارنة عددا لا بأس به من النقاط القابلة للدراسة والمناقشة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بدارسي الآداب والديانة اليهودية. أما بالنسبة للمتخصصين، فآمل أن تفتح النظرات والأفكار الجديدة التي أطرحها في ثنايا هذا الكتاب مجالا لحوارات مجدية. (11) ملاحظات لقراءة النصوص
إن جميع النصوص الواردة في هذا الكتاب مترجمة عن الإنجليزية. وقد جاءت النصوص العربية التي أثبتناها هنا، نتاج تحقيق طويل، ومقارنة دقيقة بين ترجمات إنجليزية مختلفة للنص الواحد. وقد حاولت قدر الإمكان ألا أتصرف بالترجمة إلا في مواضع قليلة استدعتها الضرورة، مع الإشارة إلى مثل هذا التصرف عند حدوثه. كما حاولت الإبقاء على الطابع الأدبي لتلك النصوص الشعرية، دون الإخلال بالمعاني والمرامي الأصلية. أما عند وقوع التعارض بين الصياغة الأدبية والترجمة الأمينة، فقد التزمنا الأمانة العلمية على حساب القيم الجمالية. كما بذلت جهدا في إعطاء الأسماء نطقا ساميا، قد يختلف أحيانا مع ما تعودنا قراءته في الترجمات الحرفية عن اللغات الأوروبية. فالإله مردوك هو في الواقع مردوخ، والإلهة تيامات، كما تنقلها لنا بعض الترجمات، هي تعامة، وأداد هو حدد ... [ ] القوس المنكسر في النصوص دلالة على وجود نقص في الشعر، ناشئ عن كسور أو تشوهات في اللوح الفخاري. فإذا احتوى القوس على كلمات [القوس المنكسر] فمعنى ذلك وجود تشوه غير تام في السطر، وأن ما تبقى من حروف ومقاطع يكفي لاستعادة الكلام الأصلي أو ما شابهه. أما إذا احتوى القوس على نقاط [...]؛ فمعنى ذلك أن التشوه تام. وفي هذه الحالة لم نسمح لأنفسنا بإملاء الفراغات الحاصلة. ( ) القوس العادي هو إضافة مني، أو من المترجم الأصلي على السطر لغرض توضيح المعنى، ولا وجود للكلمات المحصورة في هذا القوس في النص الأصلي. وقد أبقيت مثل هذه الإضافات في حدها الأدنى المطلوب، وغالبا ما لجأت إليها لضرورات جمالية.
سفر البداية
وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء .
قرآن كريم هود 7 «في البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه.»
التوراة، تكوين، 1 «في تلك الأزمان الأولى لم يكن سوى المياه.»
أسطورة بابلية
لقد كانت مسألة بدء العالم والحياة والإنسان من أولى المسائل التي ألحت على العقل البشري، والتي تصدى لمعالجتها منذ فجر طفولته. فلا نكاد نجد شعبا من الشعوب إلا ولديه أسطورة أو مجموعة أساطير في الخلق والتكوين وأصول الأشياء، حيث احتلت هذه المسألة الجانب الأكبر من ميتافيزيقا جميع الفلسفات، وشغلت حيزا هاما في العلوم الحديثة، فحلت النظريات العلمية محل الأسطورة، ومحل التأمل الفلسفي المجرد.
تنتمي أساطير التكوين في المنطقة إلى زمرة أساطير الميلاد المائي؛ فالحالة السابقة لبدء الكون في أساطيرنا التكوينية، هي حالة من العماء المائي، ساكن، لا متمايز، لا متشكل، في زمن سرمدي متماثل، لا ينتابه تغيير ولا تبديل، كأنه عدم. وفي لحظة معينة، هي هزة ودمار، يليها بناء جديد، ينبثق الكون من لجة العماء، ويبدأ النظام من قلب الفوضى، ويتحدد الشكل من اللاشكل. لحظة يقرر فيها الآلهة خلق العالم، ووضع أسس الكون والحياة، فيبدأ الزمن الذي نعرفه الآن، وتتخذ الأشياء مظهرها الذي نراه اليوم. وساعة الخلق هي ساعة صراع كوني شامل؛ فالقوى الإلهية الخالقة هي قوى نشطة، دينامية، فعالة. وليس الكون والحياة والإنسان إلا تعبيرا عن طاقاتها الحركية وفاعليتها الخلاقة. ولكنها لا تستطيع تحقيق مرادها بغير التمرد والثورة على آلهة العماء والسكون والفوضى واللاتشكل، التي تقف ضد هذا الشرخ في جدار الزمن الساكن. ولهذا لن يتأتى ظهور العالم إلا بإراقة الدماء، وانتصار آلهة ودمار أخرى، ولن تتوطد أسس الكون إلا على أشلاء الضحايا المغلوبة.
نامعلوم صفحہ