مغامرت عقل اولی
مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
اصناف
وحفر القنوات. ولم يكن بناء الآلهة لمدينة بابل إلا رمزا لشروع الإنسان في بناء حواضره. (2-3) الملحمة باعتبارها نتاجا نفسانيا
يمثل صراع مردوخ ضد تعامة على مستوى الأسطورة، صراعا آخر يقوده الفرد، على المستوى النفسي، ضد الاعتماد على الأم، بما يمثله هذا الاعتماد من اتكالية وتفكك في بنية الشخصية. إن صراعا كهذا، لا يحدث، كما قد يظن البعض، في فترة مبكرة من حياة الفرد، بل قد يتأخر حدوثه إلى أواسط العمر. ويغدو قتل الأم، رمزا لبناء الشخصية وتكاملها.
40 (2-4) الملحمة باعتبارها تأسيسا اجتماعيا وسياسيا
يترافق تاريخ كتابة الملحمة مع تاريخ تأسيس الإمبراطورية البابلية الأولى في عهد الملك حمورابي، الأمر الذي يدعونا للتأمل طويلا في تتابع أحداث الملحمة التي تأخذ بيد مردوخ وترفعه من ابن للآلهة إلى سيد مطلق لها. لقد رفعت أساطير كثيرة من شأن آلهتها، ولكننا قلما نعثر في أي مكان على كبير للآلهة قد نال من السلطة ما ناله مردوخ ومن التقديس والتبجيل ما حازه. الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد بأن سيرة مردوخ في الملحمة ليست إلا انعكاسا لسيرة الإمبراطور البابلي وترسيخا لسلطانه،
41
فما يحدث على مستوى الأسطورة، تأسيس لما يجب أن يحدث على مستوى الواقع، وبابل التي بنتها الآلهة منذ البدايات كأول مدينة على الأرض هي التي يجب أن تسود العالم باعتباره أقدس مكان وأقدم مكان. (2-5) الملحمة باعتبارها تأسيسا لعقيدة جديدة
تتوافق كتابة الملحمة مع سيادة بابل على وادي الرافدين والمناطق المتحضرة الجديدة. والسيادة العسكرية تتبعها سيادة ثقافية تثبتها وتمد في عمرها، فكانت الملحمة وسيلة لنشر الديانة البابلية وتثبيتا لعبادة إلهها مردوخ، الذي ساد الآلهة جميعا وتفوق على آبائه وأقرانه. وقد خصص الجزء الأكبر من الملحمة لسيرة مردوخ ووصف مولده ونشأته وصعوده إلى السلطان وصراعه مع القوى الشريرة، وأعمال الخلق التي استحق بها سلطانا أبديا على الآلهة والبشر والأكوان. وتقربنا أسماؤه الخمسون كثيرا من المفاهيم التوحيدية اللاحقة، وكأن الآلهة السابقة اجتمعت في واحد، وكأنها تجليات له، وصور من صوره. (2-6) الملحمة باعتبارها تسويغا وترسيخا لطقس قديم
تأتي الملحمة لبث الروح في طقس معروف قديم، وهو الاحتفال برأس السنة، وإعطائه المعنى وتثبيته؛ ففي اليوم الرابع من الاحتفالات بعيد رأس السنة البابلية «الإيكيتو»، الذي يستمر من الأول من نيسان إلى الحادي عشر منه، كانت الملحمة تتلى كاملة من قبل الكاهن الأعلى، أمام تمثال مردوخ بحضور جماهير العباد. وفي أيام أخرى من الاحتفال كان يجري تمثيل بعض مشاهد الملحمة، وربما شارك الملك وكبار الكهنة أنفسهم في اتخاذ الأدوار الرئيسية في التمثيل. كما كانت مقاطع أخرى تنشد وتغنى من قبل العباد أنفسهم.
42
وذلك كله مساعدة من العباد لآلهتهم في المعركة الدائرة مع قوى الفوضى والعماء؛ فالمعركة البدئية لم تحدث مرة واحدة وكفى، بل هي معركة متجددة، يشارك البشر فيها طقسيا، فيشدون أزر آلهتهم ويعطونها سندا ومددا. (2-7) الملحمة باعتبارها فنا رفيعا
نامعلوم صفحہ