مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة

عادل مصطفى d. 1450 AH
203

مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة

مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة

اصناف

في فصل «تصحيح الصحيح» يعرض المؤلف لصنيع المحافظين هواة «قل ولا تقل»، الذين يؤذون العربية من حيث يريدون أن يصلحوها، يتكلف هؤلاء تسقط الأخطاء ويجعلون منه حرفة تذكرنا بتصيد الساحرات في القرون الوسطى، يتناسى هؤلاء ظاهرة التطور اللغوي والتحول الدلالي، ويعرضون الاستخدام الجديد على المحك القديم - المحك الخطأ، فاللغة هي، ببساطة، ما يقوله الناس، وما يقوله الناس يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وتبدل الأحوال والأوضاع.

حين يشيع خطأ لغوي شيوعا تاما، وتختلف عليه حقب وعقود ، يتحول عنصره وتتبدل صفته، ويغدو قاعدة «بوضع اليد»، لها علينا كل ما للقاعدة من حقوق، على أن باطن الأمر أعمق من ذلك: فما كان لهذا الخطأ أن يشيع كل الشيوع وينتشر كل الانتشار ويلقى كل القبول لو لم يكن يقدم للغة خدمة ما، ويفي للفكر بحاجة ما، ويملأ فراغا اتصاليا كان شاغرا قبله، ومن الخسران أن نضحي به ونفقد خدماته بدعوى الأخطاء الشائعة وحجة قل ولا تقل.

يقول لك المتزمت: قل «متحف» بضم الميم، فلماذا أباح العرب لأنفسهم تجنب اللفظة الثقيلة حتى لو جرت على القاعدة، بينما نجعل نحن ذوقنا مطية؟ والله ما أنا قائل إلا «متحف» الدارجة الرائجة المحكية صديقة لساني حتى لو شذت عن القاعدة، فما بالك إذا كانت «متحف»، في حقيقة الأمر، صائبة بقاعدة الاشتقاق الثانوي من «تحفة»؟! والشيء نفسه ينسحب على كلمة «تقييم»

Evaluation

التي يخطئها الغلاة ويردوننا أن نقول: «تقويم»؛ لأن الأصل الواو، فلا يورثنا تصويبهم إلا خلطا والتباسا مجانيا، ولا تدري أنعني من الكلمة: التصحيح أم العقاب أم حساب الزمن أم مواقع البلدان أم تحديد القيمة! وما بالك إذا كانت «تقييم» صحيحة بالاشتقاق الثانوي من «القيمة»؟

يقول لك الزميت لا تقل «هام» وقل «مهم»، أو لو كانت «مهم» ثقيلة الظل بل مضحكة في بعض السياقات؟ ثم تحقق في الأمر علميا فتجد أن لا خطأ هناك ولا خطية: فهناك فعلان «هم» و«أهم» والاثنان بمعنى أحزن وأقلق، فتكون «هام» و«مهم» (اسما الفاعل) كلتاهما صحيحة. (4) على هامش التجديد والتقييد

في هذا الفصل الذي يعد الفصل الرئيسي في الكتاب يقدم المؤلف خطرات ثاقبة وتطبيقات حية لأفكاره النظرية، ونماذج لما يجب أن يكون عليه العمل العلمي اللغوي كحارس للمسار وضابط لإيقاع التحول، وعاصم للغة من الجمود والتحجر، ومن التنكس أيضا والتحلل والميوعة، أنت هنا بإزاء لغوي خبير، باقعة حجة، محنك مجرب، عرك اللغة وسبر أغوارها وأفنى في درسها وتدريسها زهرة العمر، يرفدك بتحليلات موضوعية عميقة، وتخريجات أمينة سديدة، بعيدة عن خواطر الهواة الذين يتجرءون على اللغة ولم يمتلكوا أدواتها، فتفضحهم عجمتهم وترد عليهم ركاكتهم ذاتها وتكفي خصومهم الرد، وتجرح كل ما قيل منهم وكل ما سيقال. أنت، باختصار، أمام حكم من بيت اللغة، وشاهد من أهلها. (5) دفاع عن اللغة العامية (المحكية)

لعله أهم مقالات الكتاب، أو المقال المفتاح؛ لأنه يفتح لنا الطريق إلى الإصلاح اللغوي الواقعي، مؤلم هو في قراءته، لأنه يفتح جرحا أيضا، بل خراجا لا مفر من فتحه قبل أن نتحدث عن أي إصلاح لغوي حقيقي.

ينبغي أن نعترف أن محكيتنا هي لغة قائمة بذاتها، وأننا، من ثم، شعب «ثنائي اللغة»

Bilingual ! وأن التزمت وانغلاق باب الاجتهاد والتجديد عبر القرون هو ما أوصلنا إلى هذه الحال، لدينا لغة طبيعية هي المحكية (العامية)، ولغة أخرى، صناعية بمعنى ما، هي ما يسمى الفصحى، لا يتحدث بها أحد في حياته اليومية، وإنما هي مقصورة على الصحف والكتب والمؤتمرات والخطب المنبرية ونشرات الأخبار والأفلام التسجيلية، نسمعها، أو نكاد، كلغة أجنبية، ونكتسبها كلغة أجنبية، ونكتبها كلغة أجنبية.

نامعلوم صفحہ