فألفاظ القرآن هي لبّ كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرّعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة.
وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوف فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فنقدّم ما أوله الألف، ثم الباء على ترتيب حروف المعجم، معتبرا فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على «الرسالة» «١» التي عملتها مختصّة بهذا الباب.
ففي اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من المثبّطات عن المسارعة في سبيل الخيرات، وعن المسابقة إلى ما حثّنا عليه بقوله تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد/ ٢١]، سهّل الله علينا الطريق إليها.
وأتبع هذا الكتاب- إن شاء الله تعالى ونسأ في الأجل- بكتاب ينبئ عن تحقيق «الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد، وما بينها من الفروق الغامضة» «٢»، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته، نحو ذكر القلب مرّة والفؤاد مرة والصدر مرّة، ونحو ذكره تعالى في عقب قصّة: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الروم/ ٣٧]، وفي أخرى: لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس/ ٢٤]، وفي أخرى:
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [البقرة/ ٢٣٠]، وفي أخرى: لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [الأنعام/ ٩٨]، وفي أخرى: لِأُولِي الْأَبْصارِ [آل عمران/ ١٣]، وفي أخرى: لِذِي حِجْرٍ [الفجر/ ٥]، وفي أخرى: لِأُولِي النُّهى [طه/ ٥٤]، ونحو ذلك ممّا يعدّه من لا يحقّ الحقّ ويبطل الباطل أنّه باب واحد «٣»، فيقدّر أنه إذا فسّر: الْحَمْدُ لِلَّهِ بقوله: الشكر لله «٤»،
و
_________
(١) وهي باسم «تحقيق مناسبات الألفاظ» . وانظر: ما كتبناه في المقدمة عند الكلام على مؤلفات المصنف.
(٢) لم نجد هذا الكتاب.
(٣) انظر مقدمة تفسير الراغب ص ٧٦.
(٤) هذا من باب التقريب، والتحقيق أنّ بين الحمد والشكر عموما وخصوصا من وجه، وقد أوضح ذلك العلّامة الشنقيطي ابن متّالي فقال:
ونسبة العموم والخصوص من ... وجه فقط للحمد والشكر تعن
وجمع معقولين بانفراد ... كل هو العموم وجها بادي
فالحمد بالثناء مطلقا بدا ... كان جزاء نعمة أو ابتدا
والشكر ما كان جزاءا للنعم ... فالحمد من ذا الوجه وحده أعم
والشكر يأتي عند كل شارح ... بالقلب واللسان والجوارح
والحمد باللسان لا غير وسم ... فاشكر من ذا الوجه وحده أعم
ا. هـ وكذا بين الريب واالشك فرق، فالريب: تحصيل القلق وإفادة الاضطراب، والشك: وقوف النفس بين شيئين متقابلين بحيث لا ترجح أحدهما على الآخر، فتقع في الاضطراب والحيرة. فاستعمال الريب في الشك مجاز من إطلاق اسم المسبب وإرادة السبب. راجع حاشية زاده على البيضاوي ١: ٧٥.
1 / 55