نعم رجعت الآن إلى باريس، ودخلتها بطقس ماطر وسماء عبوس، وقصدت الدار، ولا يعلم أحد ممن فيها بعودتي، ووجدت غرفتي غير مرتبة، وكل شيء على غير ما أحب، ولكني أحس بابتهاج وسرور عظيم، أحس بهزة داخلية كلها الفرح، يخيل لي أني رجعت إلى دار النعيم ... لماذا؟ لأني رجعت إلى باريس.
حقيقة لقد قلت بعد أيام ليون:
وقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
وإن كنت لا أنكر قد سرني في ليون خبزها.
رجعت فوجدت أهل البيت يستقبلون ضيوفا من معارفنا إلا واحدا من أصدقاء المسيو ج. ب. وهو مدرس في كلية ديجون، ولقد سرني كثيرا معرفته لأنه فوق لطفه المتناهي واسع العلم دقيق الحكم، ولقد تكلم مع صاحبه في مواضيع كثيرة؛ فدل ذلك على ذكاء واطلاع نادرين.
تكلمت معه بعد ذلك في مسائل شتى، ويعجبني من هؤلاء الناس أنهم مهما اختلفوا معك في الرأي فإنهم دائما يتمسكون بالحجة العلمية أو الاستنتاج المنطقي أو استقراء الحوادث، وإذا لم يك بعد ذلك سبيل إلى الاتفاق ترك كل واحد صاحبه ولكل عقيدته من غير أن يثور بينهما العجاج، ومن غير أن يصل إلى أن يسفه كل رأي صاحبه، والواقع أن ليس على البسيطة رأي خال من الخطأ أو خال من الصواب، بل كل يحوي قسما من الحقيقة يظنه صاحبه أشد غلبة عليه حتى تظهر الأيام فساد ظنه.
10 أبريل
ألقيت الليلة في الجمعية المصرية كلمة عن الحجاب وفساده.
وكان خصما لي في النظرية التي أقيمها نظرية السفور ط. أفندي، وحكما بيننا ش. ب. أفندي، لا يهمني ما قلت وما قال خصمي ولا حكم الحكم، ولكنما سرني كثيرا ما دار في هذه الجلسة، كان إخواننا جميعا، وكلهم من الشبان شديدي الإحساس بما لنظرية السفور من القوة، ولكنهم مصريون، والحجاب وما اقترن به من ذيوله المزعومة كالعفة وطهارة الذيل لا يزال يجول في صدور البعض منهم، فإذا قام أحدهم تلعثم ولم يدر ماذا يقول، إن قال معي فلتسفر فتياتنا عرته هزة تدفعها الوراثة إلى نفسه، وإن قال فليحتجبن ذكر أنه كان مرة عزم على أن يتزوج فوقفت هذه العادة المشؤومة في وجهة لأنه لا يستطيع أن يجعل شريكة حياته فتاة لم يرها ولم يعرف منها ولا من آرائها وميولها شيئا، وأخيرا قام ع. أفندي الفيلسوف وقرر نظرية الحجاب، ولكنه رأى وجوب الدواء لمسألة الخطبة، فاقترح أن ينظر الشاب الخاطب من ثقب قفل الباب إلى مخطوبته (هتاف وضحك).
نامعلوم صفحہ