150

مذكرات الشباب

مذكرات الشباب

اصناف

لسنا في الحقيقة نتبع الإسلام في مركزنا الذي سكنا إليه وتمادينا عليه، ولكنا نتبع مجموع عوائد الأمم الإسلامية حين ابتدأ تقهقر الأحوال واختلال الأمور وفساد الزمان، ننصر أيام الظلمات ونساعدها على البقاء حتى أمام النور الساطع الذي تبعثه علينا مجاوراتنا من الأمم بعد أن ساعدنا أمام نور ديننا وهديه.

أعطى الإسلام المرأة ما أعطى للرجل إلا فيما نص عليه القرآن من مسائل الشهادة والميراث وأشياء أخرى معدودة، فلم نعتدي نحن على القرآن باعتدائنا على المرأة؟ لم نسيء معاملة من أوصانا صاحب الشريعة السمحة بحسن معاملته؟ هل بعد ذلك نحن لديننا حقيقة متبعون.

الآيات التي قدمنا تعطي المرأة حق الطلاق من غير ما قيد، فهلا نعطيها نحن ذلك الحق ولو بألف قيد وقيد، هلا نعطيها إياه في أحوال مخصوصة ومعدودة، إننا إن فعلنا ذلك نكن وافقنا العقل والشرع وخدمنا مصر خدمة الصادق الأمين.

2

من الناس من لهم غرام مخصوص بالشكوى والتألم، فإذا ما أردت أن تزيل سبب شكواهم وقفوا في وجهك وحاربوك جهدهم وطعنوا عليك، ثم لا تلبث أن تتركهم حتى يرجعوا إلى ما كانوا فيه من الضجيج والتأوه، ويستغيثون بمن لا يغيث بعد الذي رأى منهم! ذلك لأنهم يحسون بالألم ولا يفكرون في موضعه ولا أي شيء هو، إنهم لا يقدرون على تشخيصه لذلك هم لا يقدرون على مداواته.

في الإنسانية أدواء كثيرة يعوق عن مداواتها هذا الصنف من الناس، ومحال أن يخلو الوجود منهم، ويساعدهم آخرون ليسوا مثلهم صرعى بتمجيد الماضي بحق ومن غير حق، ولكنهم يريدون أن يكسبوا لأنفسهم مركزا ذا قيمة في الوجود، وأن يجدوا حولهم أتباعا وأنصارا هم أكثر فرحا بعدتهم منهم بقيمتهم.

هؤلاء لا تدفعهم لعملهم الفكرة الممحصة، وإنما تدفع الأولين منهم حمية تشغل كل وجودهم، وينساقون بها إلى مواقف ما كانوا يقدرون مطلقا أنهم واصلون إليها، ويدفع الآخرين غرضهم من حب الظهور بأي وسيلة ممكنة، هم يحصرون تفكيرهم في البحث عن هذه الوسيلة مدفوعين بهذا الغرض، ولا يهمهم من بعد ذلك خرب الكون أو عمر، وإن ادعوا بالطبع أنهم للإصلاح عاملون، ودعواهم مقبولة على العين والرأس من الأكثرين.

الآلام التي تضج لها بلدنا كثيرة جدا، أحدها الصلات العائلية فيما بين الزوجين - يدخل في ذلك الزواج والمعاملة وتعدد الزوجات والطلاق إلخ - وسببها لا يختلف في كثير عن أسباب العلل الأخرى، ولكنه أشد استعصاء في المداواة؛ لأننا فيه محافظون أكثر منا في غيره، كلا بل نبلغ بمحافظتنا حد الجامدين المتقهقرين.

علة العلل وسببها الأول في كل شيء نقص الحرية، وكلما تقدم الناس إلى جهة الكمال منها وتمتعوا بها زالت عللهم؛ ذلك هو السبب أيضا فيما نراه مما يخص العائلة.

للرجل ما يسميه البعض حرية أكثر مما يلزم، وما أسميه أنا حرية ناقصة، إن كل خطوة يزيد بها الفرد عن حقه في الحرية ترجع عليه فتنقص من حظه بمقدارها؛ لذلك رجع كل ما عند الرجل من زيادة فأفسد عليه وعلى المجموع طعم العيش كما ترك المرأة في بؤس قد تحس وقد لا تحس به.

نامعلوم صفحہ