1
في الساعة الحاضرة إذ تغيرت إلى شكل آخر من يوم أخبرتها أني سأترك سان كلو، هي دائما رقيقة فوق ما يتصور، ولكنها أشد حيطة من قبل في كلامها، ولقد سمح لنا هذا أن نتكلم مساء الأمس في مواضيع أكثر جدا مما نتكلم فيه عادة، ذلك هو ما دعاني لأكتب مذكراتي اليوم.
كنا نتكلم فيما لو كان الفرد يستطيع ملاحظة الآخرين والحكم على أخلاقهم من وراء أقوالهم وأعمالهم، ولقد كنت ولا أزال شديد الاقتناع بأن ذلك ممكن إلى حد كبير، لكنها وضعتني موضع الحذر من عقيدتي، وأظهرت لي أن الناس ليسوا من السهولة بمقدار ما يتصورهم الإنسان، وأن أقوالهم وأعمالهم التي نرى ونسمع ليست كافية لنحكم من طريقها عليهم؛ لأنها دائما غطاء غير شفاف عما يجول بقلوبهم وضمائرهم، كم من كلمة يقولها الإنسان وهو لا يعتقد منها بحرف ولكن قالها لأن الكلام اقتضاها، كم نوافق على أشياء لولا أنا نريد أن تمر من غير أهمية وفي الوقت عينه من غير حرج لمحادثنا لكنا أشد الناس قياما ضدها.
قضينا وقتا طويلا في مثل هذا الحديث، وقت كان يسرني جدا أن أقضيه مع أهلي من السيدات المصريات، ننتقل من مسألة لأخرى ومن كلام لكلام ويسير الوقت ولا نحس بسيره ونود لو نبقى حتى الصباح لولا أن النوم من الواجبات المحتوم القيام بها.
مثل هذا الحديث وغيره مما تتجلى فيه رقة مدام سنيار ودقتها يجعلني أحترمها كل الاحترام.
28 مايو
كنا بالأمس نتحدث على الطعام عن سكك حديد أمريكا، فبمناسبتها أخبرتني السيدة جارتي أن المسافة بين واشنطن وسان فرنسسكو تستغرق ستة أيام، وأنها حسنة النظام والترتيب إلى حد عجيب، وصفت لي بعد ذلك أن ابنتها - وهي أرق ما يكون من الفتيات وتنم نظراتها السارحة وأنفها الأقنى الحاد وهدوؤها المطلق عن جمال في النفس كبير - أخبرتني أن ابنتها أخذت هذا الطريق وكان معها في العربة من أولها إلى آخرها أحد الضباط، وبقيا طول المدة يتناولان الطعام في قاعة الطعام ثلاث مرات كل يوم، ثم يرجع كل إلى مكانه ولم يدر بينهما حديث، ويعد أن وصلت سان فرنسيسكو أخذت الباخرة إلى جزر الفيلبين لترى أخاها، وكانت كذلك وحدها.
كم لهاته الفتاة من الثقة بنفسها! وكم لأهلها من الثقة بها! أذكر لمناسبة هذه الحادثة حوادث أخرى لا عدد لها، ولكني أدون منها حادثة مس ب.ك. التي ذهبت وحدها إلى مالطة وأقامت بها ثلاثة أشهر وساحت بعد ذلك في بلاد متعددة، ورجعت وهي أشد الناس ثقة بنفسها وأهلها أوثق ما يكونون بها.
كذلك مس ا.ت. التي ذهبت لأسبانيا مع أختها، ثم كانت تسافر وحدها إلى أبعاد من الأرض أغرب ما يتصور.
لهؤلاء الناس ثقة بنفسهم وبصفتهم لا تطرأ لمصرية - بل ولا لمصري - على بال، ألا نأسف على حالنا بعد ذلك!
نامعلوم صفحہ