فأومأ المستر بكوك إيماءة الإيجاب.
وواصل الرجل حديثه يقول: «ما أحوج الناس إلى النهوض من فراشهم باكرين؛ ليشهدوا الشمس في روعتها التامة، وكل جلالها؛ إذ قلما يمكث بهاؤها النهار كله، فما أقرب الشبه بين صباح اليوم وصباح الحياة.»
وقال المستر بكوك: «لقد قلت حقا يا سيدي.»
واسترسل الرجل التعس: «وقد صدق القول السائر: إن الصباح لأبدع وأجمل من أن يدوم. وما أولى بهذا القول أن ينطبق على حياتنا اليومية ... يا إلهي ... بأي ثمن أود لو استعدت أيام طفولتي، أو استطعت أن أنساها إلى الأبد.»
وقال المستر بكوك بإشفاق ورثاء: «لقد قاسيت كثيرا في حياتك يا سيدي.»
وأجاب الرجل التعس في عجلة: «نعم، لقد قاسيت أكثر مما يستطيع الذين يرونني اليوم أن يصدقوا جوازه، أو يعتقدوا احتماله.»
وتمهل لحظة، ثم عاد يقول فجأة: «ألم يخطر يوما ببالك - في ذات صبح كهذا - أن في الموت غرقا هناءة وراحة وسلاما؟»
وأجاب المستر بكوك قائلا: «يا لله! ... كلا!» وانثنى قليلا عن سياج الجسر؛ إذ تصور - على الرغم منه - أن الرجل قد يدفعه من فوقه، ولو على سبيل التجربة.
ومضى هذا في حديثه يقول دون أن يفطن إلى الحركة التي بدرت منه: «ولكني فكرت في ذلك أحيانا كثيرة، ويلوح لي أن الماء الهادئ البارد إنما يغمغم بدعوتي إلى الراحة والسكون، فما هي إلا قفزة، فرشاش، فمغالبة قصيرة، فدوامة عابرة، ثم تستحيل شيئا فشيئا إلى موجة خفيفة رقيقة، وقد أطبق الموج عليك، وانفلق الماء فوق رأسك، فإذا الدنيا قد أغلقت دونك أبواب متاعبك وخطوبك إلى الأبد.»
وكانت عينه الغائرة تشع كالشهاب، وهو يمضي في هذا القول، ولكن هذه الحماسة الخاطفة ما لبثت أن رسبت، فأشاح بوجهه في هدوء، ومضى يقول: «ولكن حسبنا هذا، ودعنا منه ... إنني أريد أن أراك لأمر آخر ... لقد دعوتني إلى قراءة تلك الأوراق عليك في الليلة السابقة للبارحة، وأصغيت إلي وأنا أتلوها على سمعك.»
نامعلوم صفحہ