قال: «تماما ... والآن ثباتا ... واجنح له!»
وقال المستر ونكل المسكين: «لقد سلمتك الرسالة يا صديقي العزيز.»
وخطر للمستر ونكل أن هذه النصيحة أشبه بما ينصح به النظارة أصغر غلام في معركة تقوم بين الصبية في الشارع، وهي قولهم: «ادخل عليه واغلبه!» كلام جميل، ونصيحة بديعة، لو كنت تعرف حقا كيف يكون الدخول والغلب، ولكنه حسر عنه قباءه في صمت، وكان خلع ذلك القباء يستغرق عادة وقتا طويلا، وتناول المسدس، وتراجع الشاهدان، كما تراجع السيد الجالس فوق مقعد المعسكر، وراح كل غريم يدنو من غريمه.
وكان المستر ونكل معروفا بالتناهي في إنسانيته، وقد قيل: إن نفوره من إيذاء آدمي مثله عمدا وقصدا هو الذي جعله يغمض عينيه عندما وصل إلى البقعة الرهيبة المعينة له، وأن إغماضه حال بينه وبين رؤية سحنة الدكتور سلامر الغريبة، ووجهه العجيب، ونظراته الغامضة؛ فقد لبث هذا السيد يحملق مليا، ثم إذا هو يرتد خطوات، ويفرك عينيه، ثم يعود فيحملق، وإذا هو أخيرا يصيح قائلا: «قف. قف!»
وأنشأ يوجه القول إلى صديقه، وإلى المستر سنودجراس حين خفا إليه: «ما هذا كله؟ ... ليس هذا هو الشخص المقصود!»
وقال صديق الدكتور سلامر: «ليس هذا بلا شك ... ليس هذا بالرجل الذي أهانني الليلة البارحة!»
وصاح الضابط: «هذا شيء عجاب!»
وانثنى حامل المقعد قائلا: «حقا! ... إن المسألة إذن هي: هل ينبغي ألا نعد السيد الماثل أمامنا من الوجهة الشكلية الشخص الذي أهان صديقنا الدكتور سلامر ليلة أمس، وهل هو حقيقة أو ليس هو؟»
وما كاد يدلي بهذا الاقتراح، وبلهجة الحكيم الفطين، حتى تناول نشقة من حق سعوطه، ومضى يدير عينيه فيمن حوله، في صورة الحجة المثبت في هذه المسائل.
وكان المستر ونكل قد فتح عينيه وأذنيه أيضا، حين سمع خصمه ينادي بوقف القتال، وتبين - كما قال فيما بعد - أن هناك خطأ وقع في الأمر، بلا أدنى شك، فلم يلبث أن أدرك ما هو حتما ظافر به من الشهرة وحسن الصيت، إذا هو أخفى حقيقة الدافع الذي حفزه إلى القدوم، ولهذا تقدم بجرأة فقال: «لست أنا الرجل المقصود ... وأنا أعرف ذلك.»
نامعلوم صفحہ