1
تود الهيئة هنا أن تقدم أصدق شكرها للمستر صمويل بكوك الآنف الذكر على هذا البحث.
والهيئة إذ تدرك عميق الإدراك مدى الفوائد التي ستعود حتما على العلم من هذا البحث الذي سلف ذكره، وجملة الحسنات الأخرى للبحوث والدراسات التي عقدها بدأب لا يعرف الكلال المستر صمويل بكوك الرئيس العام، وعضو نادي بكوك في هورنزي، وهايجت، وبريكستن، وكامبرول، لا يسعها إلا أن ترجو رجاء صادقا أن تؤدي حتما بحوث هذا العلامة إلى فوائد لا تقدر ، ومنافع لا تحصى، في ميدان أوسع مدى، إذا هو مد نطاق أسفاره، ومن ثم وسع أفق نظراته وملاحظاته في سبيل تقدم العلم ونشر المعارف.
وعلى ضوء هذا الرأي الذي ذكرناه، نظرت الهيئة بعين الجد والاعتبار في الاقتراح المقدم من المستر صمويل بكوك الآنف الذكر، والرئيس العام للنادي وأحد أعضائه، بالاشتراك مع ثلاثة أعضاء آخرين في النادي - سيأتي بعد ذكرهم - بشأن تأليف فرع جديد «لرابطة البكوكيين»، يدعى «شعبة المراسلين في نادي بكوك».
وقد حاز الاقتراح المذكور من الهيئة الموافقة والقبول، وبذلك تم تأليف شعبة المراسلين في النادي، وتعيين المستر صمويل بكوك الرئيس العام وعضو النادي، والمستر تراسي طبمن، والمستر أوجستس سنود جراس، والمستر نثنايل ونكل، العضوين بالنادي - أعضاء في هذه الشعبة، مع رجائهم أن يقدموا إلى النادي بمقره من وقت إلى آخر بيانات معتمدة عن أسفارهم وتحقيقاتهم، وملاحظاتهم على الأشخاص وأوجه السلوك، وكل ما يتعلق بالأحداث التي تقع لهم، مقترنة بكل النوادر، والقصص والمذكرات عن مختلف المشاهد والربوع، وما يتصل بها.
وقد تلقت هذه الهيئة بالعرفان الخالص الاقتراح القاضي بأن يقوم كل عضو من أعضاء «شعبة المراسلين» بأداء نفقات سفره، ولا مانع لديها إطلاقا من أن يواصل أعضاء الشعبة المذكورة بحوثهم لأية فترة من الوقت يشاءون بهذه الشروط ذاتها.
وقد أبلغ أعضاء شعبة المراسلين السالفة الذكر أن الاقتراح المقدم منهم بشأن قيامهم بأداء أجور البريد عن رسالاتهم، ونقل طرودهم، قد تم بحثه ومناقشته في هذه الهيئة، وترى أنه اقتراح جدير بأن يصدر من العقول الكبيرة التي تفتق عنها، وأنها تسجل هنا موافقتها التامة عليه.
وقد أضاف الأمين الذي ندين لملاحظاته بالبيان التالي، يقول: إن كل ملاحظ عابر لا يرى شيئا غير مألوف في ذلك الرأس الأصلع، والمنظار المستدير اللذين ظلا متجهين نحو وجهه «أي وجه الأمين» في أثناء تلاوته للقرارات التي سلف ذكرها، وأن هذا المنظر كان حقا ممتعا لكل من عرفوا أن عقل بكوك الجبار كان يشتغل خلف تلك الجبهة، وأن عينيه المشعتين كانتا تبرقان من وراء ذلك المنظار، وقد جلس ذلك الرجل الذي اقتفى مجرى تلك البحيرات العظيمة في هامستد حتى منبعها، وهز دنيا العلم بنظريته عن السمك «الزقزوق»، جلس ذلك الرجل هادئا لا يتحرك كمياه تلك البحيرات في عمق غورها، في يوم شديد الصقيع، أو كسمكة من تلك الأسماك في أدق زاوية من زوايا جرة من الصلصال، وقد ازداد هذا المنظر متعة، واشتد تشويقا، حين هبت الأصوات مرة واحدة من أفواه مريديه، تدعوه إلى إلقاء كلمة، وحين صعد ذلك الرجل الأمجد برفق إلى ذلك المقعد، «الوندسور» الذي كان من قبل جالسا فيه، وراح يخطب أهل النادي الذي كان هو مؤسسه، لقد كان ذلك منظرا مثيرا خليقا بدراسة فنان! فقد انثنى بكوك المفوه البليغ، وكانت إحدى يديه مختفية بشكل جميل خلف ذيل ردائه، والأخرى يلوح بها في الفضاء، يستعين على إلقاء خطبته الحماسية المتأججة، وقد كشفت وقفته المشرئبة عن حمائله، ولو أن تلك الحمائل ورباطي ساقيه كانت على رجل عادي، لجاز أن تمر دون ملاحظة، ولكنها على المستر بكوك - إذا جاز لنا هذا التعبير - كانت تثير الرهبة اختيارا لا افتعالا، وتدعو إلى الاحترام والإكبار، وقد أحاط به في مجلسه هذا أولئك الذين تطوعوا لمقاسمته أخطار أسفاره ورحلاته، والذين قدر لهم أن يشاركوه في مجد اكتشافاته، وعن يمينه جلس المستر تراسي طبمن ... طبمن المفرط في رقة الإحساس، والذي جمع إلى حكمة الشيب وحنكته، حماسة الشباب وحرارته، في أمتع مواطن الضعف البشري وأدعاها إلى الغفران ... وهو الحب، وقد اصطلح الزمان والغذاء الطيب على تسمين ذلك القوام الذي كان «قواما ممشوقا روائيا» في يوم من الأيام؛ فأصبح «صداره» الحريري الأسود أكثر على الدهر اتساعا، وأخذت سلسلة ساعته الذهبية تختفي من تحته، وتتوارى شيئا فشيئا من مرمى نظره، وبدأ ذقنه الرحيب يجور على حدود ربطة عنقه البيضاء، أما روحه ذاتها، فلم يطرأ عليها تحول ولا تبديل، وظل إعجابه بالجنس اللطيف العاطفة المتحكمة فيه. وعن يسار الزعيم العظيم جلس «سنود جراس» الذي أوتي نزعة شاعرية، وبجواره كذلك جلس الرياضي «ونكل»، وقد بدا أولهما في شكل شعري مرتديا «سترة» زرقاء غريبة، ذات طوق «ياقة» في مثل جلد الكلاب، وأما الآخر فقد أضاف بريقا ظاهرا على سترة صيد جديدة خضراء اللون، وربطة رقبة من صوف مخطط، وسروال ضيق لاصق ببدنه.
وقد سجلت خطبة المستر بكوك بهذه المناسبة والمناقشات التي دارت حولها في محاضر جلسات النادي، وهي شبيهة إلى حد بالغ بالمناقشات التي تدور في الهيئات الشهيرة الأخرى، ولما كان من الممتع تتبع وجوه الشبه بين تصرفات العظماء، فقد رأينا أن ننقل ما ورد في المحضر إلى هذه الصفحات.
كتب الأمين يقول: إن المستر بكوك لاحظ أن الشهرة عزيزة على قلب كل إنسان، فالشهرة الشعرية عزيزة على قلب صديقه «سنود جراس»، والشهرة بغزو الأفئدة عزيزة كذلك على قلب صديقه «طبمن»، والرغبة في كسب الشهرة في ميدان الصيد، برا وجوا وعلى الماء، أعز ما تكون مكانا من صدر صديقه «ونكل»، وأنه «أي المستر بكوك» لا يريد أن ينكر سلطان العواطف البشرية، وأثر الأحاسيس الإنسانية في نفسه «هتاف»، ولعله تأثر بمواطن الضعف البشري فيه «صيحات: حاشا»، ولكنه يجب أن يقول إنه إذا اشتعلت يوما في صدره نار الاهتمام بالذات، فإن إيثار الرغبة في نفع البشر كفيل فعلا بإخمادها، وإن مدح الجنس البشري هو ما يهتز له طربا، وحب الخير هو الضمان الكفيل به «هتاف حاد»، وإنه ليعترف بأنه قد شعر بشيء من الاعتزاز - وليستغل خصومه هذا القول ما شاء لهم الاستغلال - وهو معترف بهذا الشعور صراحة، أي نعم ... لقد شعر بشيء من الاعتزاز عندما قدم إلى العالم مذكرته بشأن نظرية السمك الزقزوق، ومن الجائز أن تحتفل الدنيا بها، أو لا تحتفل، «هتاف: تحتفل ... وتصفيق شديد»، وإنه ليلم بما أعلنه هذا البكوكي الموقر الذي سمع اللحظة صوته، وهو أنها قد احتفلت بها، ولكن إذا قيض لهذا البحث أن تمتد شهرته إلى أقصى حدود العالم المعروف، فإن الفخار الذي سوف ينظر به إلى وضع هذا المؤلف لا يقارن إطلاقا بذلك الفخار الذي ينظر به إلى ما حوله، في هذه الساعة التي يعدها أعز اللحظات في حياته «هتاف»، وهو رجل قليل الشأن، «حاشا ... حاشا»، ولكنه مع ذلك لا يسعه إلا أن يشعر بأنهم قد اختاروه لعمل عظيم، لا يخلو من بعض الخطر؛ فإن السفر ليس مأمونا، وعقول الحوذية غير موزونة ولا مستقرة، فلينظروا إلى الخارج، وليتأملوا المشاهد التي تجري من حولهم، فإن المركبات العامة تنقلب في كل ناحية، والخيل تحرن، والمراكب تنكفئ عاليها سافلها، والمراجل تنفجر «هتاف وصوت يصيح: كلا! كلا! هتاف»، فليتقدم حضرة العضو المبجل الذي صاح بقوله: «كلا»، ولينكر إن استطاع إلى الإنكار سبيلا، «هتاف» من هو الذي صاح «كلا»؟ «هتاف حماسي»، أهو رجل مغرور فاشل خائب - ولا أقول «بائع خردة» - «هتاف مدو»، أحس عقارب الغيرة تدب فيه من المذيع الذي وجه إلى بحوثه - أي بحوث المستر بكوك - وقد يكون غير جدير به، وأخذ يتلوى من حرقة الحملات التي توالت على محاولاته هو الضعيفة في ميدان المنافسة؛ فلجأ الآن إلى هذا الأسلوب الخبيث من الثلب والافتراء.
نامعلوم صفحہ