تأليف
تشارلز ديكنز
ترجمة
عباس حافظ
مقدمة
قلنا في مقدمة الطبعة الأصلية لمذكرات نادي بكوك المنشورة بعد وفاة مؤسسه: إن المقصود منها إيراد صور مسلية لأنماط من الناس، ورسوم فكهة لصنوف من الوقائع والأحداث، لا محاولة فيها لإظهار البراعة في قصة «محبوكة» موصولة السياق، ولم يكن المؤلف يرى في ذلك الحين أن إيرادها على هذا الوجه ميسور؛ لأن أسلوب النشر المتبع في ذلك الوقت لم يكن على نسق مطرد. وقلنا كذلك: إننا قد أخذنا نغفل شيئا فشيئا الحديث عن جهاز النادي، كلما تقدمنا في الكتاب، وذلك بعد أن تبين لنا أن معالجته من أشق الأعباء، ولئن كانت التجربة والدراسة قد علمتنا فيما بعد شيئا بسبيل بعض تلك المطالب ونحوها، حتى لوددت اليوم لو أن هذه الفصول ترابطت بخيط قوي واحد، وأمسك بها موضوع يثير الاهتمام العام؛ فلا تزال في شكلها الحالي عين ما أريد بها أن تكون ...
ولقد رأيت روايات مختلفة لأصل هذه المذكرات التي ظلت على الحالات كلها في تقديري تتصف بفتنة الطرافة التامة، وسحر الجدة البالغة، وإذا كان يصح لي أن أستخلص من ظهور روايات وأقاصيص منها أن في نفوس قرائي توقا إلى معرفة حقيقتها؛ فإني سأقص عليهم كيف ظهرت في عالم الوجود.
كنت شابا في الثانية أو الثالثة والعشرين حين أثارت بعض قطع كنت أكتبها في ذلك العهد في صحيفة «المورننج كرونكل» اهتمام الناشرين «تشابمان وهول»، أو كنت قد كتبتها توا في المجلة الشهرية القديمة «أولد منثلي ماجازين»، وقد جمعت أخيرا سلسلة منها، ونشرت في مجلدين، ورسمت لها صور من ريشة المستر جورج كروكتشنك؛ فجاءني هذان الناشران يطلبان إلي أن أقترح شيئا يصح أن ينشر في أعداد لا يتجاوز ثمن العدد منها شلنا، ولم أكن أعرف يومئذ شيئا عنها، وأعتقد أن أحدا سواي لم يكن له بها علم، إلا من ذكرى لم تكن واضحة في خاطري، لروايات لا تحصى من هذا القبيل اعتاد الباعة المتجولون حملها، والطواف في الريف بها، وأذكر أني ذرفت على طائفة منها دموعا غزارا قبل أن أقضي فترة الدربة على الحياة ...
وعندما فتحت باب غرفتي في فندق «فرنفال» لأستقبل الشريك الذي يمثل دار الطباعة والنشر، عرفت فيه ذلك الشخص بالذات الذي كنت قد اشتريت منه منذ عامين، أو ثلاثة أعوام، ولم أكن قد رأيته من قبل، ولم أره من بعد ... النسخة الأولى من المجلة التي ألقيت إليها خفية ذات مساء على مطالع الشفق بباكورة قلمي، وهي «صور وشخصيات»، دعوتها «المستر مينز، وابن عمه»، ألقيتها إليها بيد راعشة، وقلب واجف، في جوف صندوق بريدها القاتم، ودارها المعتمة، في فناء مظلم بشارع «فليت ستريت» ... وظهرت تلك الباكورة فيها بكل ما أضفى الطبع عليها من رونق وبهاء؛ فانطلقت بها عندئذ إلى قاعة وستمنتستر، فمكثت فيها نصف ساعة؛ لأن عيني قد ارتدتا مشدوهتين من فرط الفرح والشعور بالفخار؛ فلم تطيقا الشارع، ولا كان الطريق بالموضع الذي يصلح لرؤيتها فيه، وقد حدثت زائري بتلك المصادفة، فرحبنا معا بها، وعددناها بشرى طيبة وفألا حسنا، وأقبلنا نتحدث في الأمر الذي جاء يبحث معي فيه ...
وكانت الفكرة التي شرحها لي هي إصدار شيء شهري ليكون وسيلة لنشر صور ورسوم من ريشة المستر سيمور، وأن هناك خاطرا بدا لذلك الرسام الفكه الصنع، أو لزائري نفسه، وهو تخيل ناد يدعى «نادي نمرود» يخرج أعضاؤه لصيد الطير أو السمك أو نحوهما، فيقعون في محارج، وتحيط بهم متاعب وورطات؛ لقلة براعتهم وفهمهم لدقائق الأشياء، وقال محدثي: إن فكرة كهذه سوف تكون أحسن وسيلة لإبراز تلك الرسوم والألواح، فلما بحثت تلك الفكرة اعترضت عليها، وكان سبب اعتراضي أنني لست بالصياد البارع، وإن كنت قد ولدت وقضيت بعض أيام نشأتي بالريف، ولم أصب من «الرياضة» إلا ما يتصل بكل أنواع الحركة ووسائل الانتقال، وأن الفكرة ليست بالطريفة، وأنها طرقت كثيرا من قبل، وأنه من الخير إلى أبعد حد أن تنشأ الصور نشأة طبيعية من النص نفسه، وأنني أحب أن أتخذ سبيلي طليقا من كل قيد في تصوير المشاهد الإنجليزية والناس، وأنني أخشى أن أفعل ذلك في النهاية على أية حال، مهما يكن السبيل الذي أختطه لنفسي في البداية. ولما قبلت فكرتي، فكرت في «المستر بكوك» وكتبت العدد الأول، وكان المستر سيمور يتناول «تجارب الطبع»؛ فيرسم الصور على قدودها، فهو الذي رسم «النادي» وصور تلك الصورة الجميلة لمؤسسه، وقد أخذ وصف الثياب والمعالم من المستر إدورد تشبمن، عن شخصية حقيقية كثيرا ما رآها بنفسه، وقد ربطت المستر بكوك بناد عملا بالاقتراح الأصلي، وجئت المستر «ونكل» قصدا؛ ليفتن فيها المستر سيمور كما يشاء، وبدأنا نصدر عددا من أربع وعشرين صفحة، بدلا من اثنين وثلاثين، وأربع صور بدلا من صورتين، وكانت وفاة المستر سيمور فجأة قبل صدور العدد الثاني، وهي مصاب أحزننا، وجزعنا منه؛ فاقتضى مماته اتخاذ قرار عاجل في أمر كنا قد مضينا فعلا فيه، فجعلنا العدد في اثنتين وثلاثين صفحة، واقتصرنا على صورتين، وبقي النظام هكذا إلى النهاية.
نامعلوم صفحہ