كنت أشكو إليك - وكم من مرة شكوت تحت «أسماء مستعارة» على صفحة الكشكول - من أعمال أوانسنا وشباننا، فكان في ردك ما يشفي صدري ويثلجه - ولو كنت تشاركني العبرة على ما صارت إليه حالتنا الأخلاقية لكفى، فلمن أشكو اليوم وأنت طريح فراش في قصر العيني؟!
سوف تعود إلى الكتابة إن شاء الله تعالى، فالأيدي التي صافحها الألم وحركها الشعور الشريف «الغيرة على الآداب» لا يطرق اليأس أبواب قلوبها وإن قطعت - لا حرم الله الكشكول وقراءه منك ولا منه - «وليحيا الكشكول ولا كاتب إلا أنت» وردك الله إلينا يا أبا القلم ويا أبو ...
ابن راشد
وفي الختام
الحمد لله آلاف المرات على ما وصلت إليه، وصح المثل القائل «آخر خدمة الغز علقة» والغز هنا يا سيدي القارئ هو الجمهور، ولله درك أيها الأستاذ فكري بك أباظة حيث قلت لي في مقدمتك: «إن من يتعرض لخدمة الجمهور يجب أن يدوسه الجمهور» قول جدير بالاعتبار والنظر، فوشرفك لم يسأل علي من زبائني الأخصاء اللذين كانوا يستخدمونني وعربتي وخيلي في سبيل مآربهم وغاياتهم أحد، بل الأدهى أنني كثيرا ما رأيت الواحد منهم يتعامى عني، كأني أصبحت «مرضا أو أنه ينظر إلي نظرته إلى سائل سيطلب منه المعونة» مع أن محسوبك متيسر، والأشيا معدن، وحالته رضا، منحني الله النعمة السابقة التي ورثتها نفسا تفضل الموت على سؤال من لا يفهم معنى لكلمتي البر والإنسانية.
نهايته، لقد بعت الأنقاض «أنقاض العربية» وأجرت «الإسطبل» وأضفت ذلك إلى ما عندي، فكان فيه الكفاية وأكثر، وخرجت من هذه المعمعة كلها بفكرة لا يمكن أن تفارق مخيلتي أبدا، تلك هي مداومة تعليم «ابني» وإبعاده قدر الطاقة عن كرسي الصنعة، فهي محتقرة في هذا البلد، ومن يدري! فربما وصل يوما من الأيام إلى درجة أن ينادى عليه بلقب «يا متر» أو «يا دكتور» أو يا حضرة الباشمهندس، ووقتئذ يمكنه بعمله وآدابه وإنسانيته أن ينسى من يعرفه أنه نجل «الأسطى حنفي».
كم في البلد - أيها القارئ - من كراسي تحمل فوقها من ينتهي نسبه إلى «معلم عربيات» أو خفير أو «سقاء» أو «بلانة» مثلا، وقد كفى التعليم والكفاءة لاعتلائه منصب الإدارة أو القضاء أو الوزارة، وحينئذ لا تسمع إلا «سافر صاحب المعالي، حضر صاحب المعالي، مرض صاحب المعالي، شفى الله صاحب المعالي» وتنوسيت مسألة الأصل إلى أن تبدر منه بادرة شر أو غلطة تدفعه إلى هاوية السقوط، وحينئذ يتناسى الجمهور كل خير تناوله من يمين هذا المسكين، ولا تسمع إلا قول هذا «الأصل تمام يا سيدي، ده أبوه غفير» وقول الآخر «معذور أصله دون، وأبوه سافل» ... إلى آخره.
ولكني رغما عن كل هذا سأستمر في تعليم ولي عهدي؛ لأضيف لهذه الأمة التي أنا مدين لها بحياتي فرعا طيبا جديدا، فهي في احتياج هائل إلى العلم تداوي به مرضها. «يرجع مرجوعنا» أيها السادة القراء إلى كلمتي الختامية، وهي جديرة بالاحترام من الجانبين، فريق الزبائن أولا، وزملائي العربجية ثانيا.
يا أسيادي ويا زبائني: يقول المثل البلدي الصريح «من فات قديمه تاه» ونحن هذا القديم، نحن بعرباتنا التي اتخذتموها مأوى لكم في لهوكم وجدكم، نحن بخيولنا التي رمحت بكم القاهرة والإسكندرية وجميع مدن القطر شارعا فشارعا، وطالما انتظرت في حر الشمس وبرد الليل لا تشكو ولا تتذمر، قانعة هي ومحسوبكم بالأمل في رضاكم، لا يهمها ما يحدث داخل العربة إن كان همسا أو «زعيقا» إن كانت المناقشة غرامية أم سياسية، إذا كان الحديث هزليا أم جديا، مهما حدث كنا نتعامى ونحتمل، وكل هذا في سبيل رضاكم لتكونوا معنا لا علينا إذا حلت المصيبة ونزلت النازلة.
أما «جديدكم» يا زبائني القدماء فهي تلك «السيارات التاكس» التي تجوب الطرقات بسرعة البرق، وغلطة واحدة تكفي لتشييع ثلاث أصوات: الراكب والسائق والسائر.
نامعلوم صفحہ