وعندما نظر المجلس بجلسة 17 فبراير سنة 1941 (في عهد وزارة حسين سري باشا أيضا) استجواب حافظ رمضان باشا في الاعتراض على تصريح المستر تشرشل الذي ألقاه في ديسمبر سنة 1939 وأخذ فيه على إيطاليا أنها هاجمت مصر وهي «تحت الحماية البريطانية»، قلت في هذا الاستجواب: «يهمني أن أبين لحضراتكم وجهة نظر الحزب الوطني في هذا الموضوع، ولا أريد أن أكرر ما قلت في الجلسة السرية التي عقدت في الشهر الماضي، بل أقرر أني اعترضت بكل قواي على تصريح المستر تشرشل، والذي أريد أن أقرره الآن أن اعتراضي على هذا التصريح ينطوي أيضا على اعتراضي على المعاهدة. واسمحوا لي أن أبين أن وجهة نظر الحزب الوطني لا تقر المعاهدة لأنها تتنافى مع الجلاء وهو من المبادئ الأساسية للحزب الوطني، كما تتنافى مع ارتباط السودان بمصر ارتباطا لا يقبل التجزئة؛ لهذا نحن نعترض على التصريح وعلى التفسير الذي لابسه، وقد رفضنا المعاهدة وتنفيذها، وقد كان موقف الحزب الوطني موقف المعارضة من كل الوزارات التي قامت على تنفيذ المعاهدة.»
وبجلسة 3 يونيو سنة 1942 التي نوقش فيها خطاب العرش على عهد وزارة النحاس حدثت مناقشة طويلة بيني وبين رئيس المجلس (علي زكي العرابي باشا) ووزير العدل (صبري أبو علم باشا) في شأن المعاهدة ومشروعيتها.
فقد قلت ردا على خطاب العرش: «إن خطاب العرش قد أغفل، وبعبارة أصح: أهدر، نقطتين جوهريتين فيما يتعلق بالسياسة العامة للدولة؛ الأولى خاصة بالجلاء، والثانية خاصة بالسودان. وإني ألاحظ دائما على خطب العرش ظاهرة تستوقف النظر، هي أن كل خطاب عرش لا يخلو من التنويه بأن الوضع الحالي للبلاد والذي يجب أن تقوم عليه كل حكومة هو معاهدة التحالف والصداقة المبرمة سنة 1936، مع أن لنا مندوحة في أن نتجاوز عن هذه النقطة لأنها ليست نقطة جوهرية في خطاب العرش ولا ضرورة لذكرها. وأول ما أعترض عليه أن خطاب العرش ذكر هذا الوضع وأنا موقن أنه ينقض ركنا جوهريا من أركان الاستقلال والسيادة العامة، وهو الركن الخاص بالجلاء، لا أقول هذا لمجرد الكلام في النظريات بل أذكره على أنه حقائق ثابتة يجب أن توضع موضع الاعتبار. لأننا إذا قارنا بين هذا الوضع الذي في مصر ووضع التحالف القائم بين بريطانيا العظمى وحلفائها مثل أمريكا وتركيا واليونان وغيرهم؛ فإننا لا نجد في أي معاهدة من هذه المعاهدات نصا يبيح لها استدامة بقاء قواتها الحربية في بلاد حليفتها في أيام السلم وأيام الحرب كما هو الحال في مصر.»
وهنا قاطعني رئيس المجلس (علي زكي العرابي باشا) قائلا: «هل يعترض حضرة الزميل المحترم على المعاهدة؟»
فأجبت قائلا: «لي هذا الحق، وأريد أن أنتقد السياسة العامة للحكومة، وإذا قيل لي بأن هذا يتعارض مع كونها أقرت بقانون فإني لا أوافقكم على اعتبارها قانونا، ومع ذلك فإن كل القوانين عرضة للمناقشة فيها في البرلمان تمهيدا لتعديلها أو إلغائها.»
فاعترض علي أيضا صبري أبو علم باشا قائلا: إننا الآن في صدد مناقشة خطاب العرش لا في صدد الكلام عن المعاهدة.
فقلت: «إن موضوع كلامي في خطاب العرش ينصب على الجلاء والسودان، وأرجو أن تتركوني أتكلم لأني تكلمت في عهود سابقة عن هذا الموضوع ولم يعترض علي أحد، فلا يصح أن يضيق صدركم الآن بما لم يضق به صدر تلك العهود.»
واستمرت المناقشة من الجانبين سجالا إلى أن قلت: «إن الركن الثاني هو مسألة السودان، وهذه مسألة ليست بالهينة؛ لأن السودان هو نصف المملكة المصرية، ورضاؤنا عن الوضع الحالي للسودان يعتبر منا إقرارا لسيطرة دولة أخرى على هذا النصف من المملكة وهو كما قلت مكمل لها.»
فقال رئيس المجلس مرة ثانية: «هل حضرة الزميل المحترم يعترض على المعاهدة ويرغب في تعديلها؟»
فقلت: «أظن أن حضراتكم تعلمون رأيي في المعاهدة؛ فأنا لم أقبلها ولم أقرها، فلا تحاجوني بالمعاهدة.»
نامعلوم صفحہ