كان هذا حال «غريبالدي» أما ركابها فربنا ما يوري عدو ولا حبيب. ملك دوار البحر بديعة فلم تعرف رأسها من رجليها. وطرح التوني وفريد صبري أرضا، لكن أرض إيه؟ هي فين الأرض؟ قول طرحا خشبا!! وهذه كانت حالة الركاب جميعا، ولم تكن مقصورة على زملائي، ولم يكن بين الجمع إلا فرد واحد لم يستطع البحر ولا دواره، بل ولم تستطع «غريبالدي» «بخيابة» قدرها أن تؤثر فيه أي تأثير. فكان يغدو ويروح واضعا يديه في جيوبه، ضاحكا من هذا ومن ذاك ممن كانوا يتلقحون في الممرات. هذا الفرد الواحد هو أنا.
ولكن ما ذنبي وقد خلقت مني الأقدار «سندبادا بحريا» في آخر الزمن؟ ولقد كنت أنتهز بعض فرص هدوء البحر فأجمع زملائي، و«أسليهم» بعمل بروفه ... على رواية «هملت»، وغيرها من «الدرامات»، لأن الموقف لم يكن يتحمل عمل بروفات كوميدي!!
وبعد هذه النكبات المدلهمات، شاهدنا أرضا عن بعد.
فقلت: «الله يرحمك يا خريستوف كولومب ويحسن إليك. ولو أنك كنت السبب في المرار الذي شربناه من حفيدتكم المحترمة «غريبالدي» إذ لولا أنها طلعت في مخ حضرتكم فاكتشفتم أمريكا، ما فكرت في النزوح إليها!!
الفصل الثامن
في أمريكا الجنوبية
في عواصم أمريكا الجنوبية كشكش مغنواتي ...!
عملت الباخرة بأصلها، وأوصلتنا إلى بلاد القارة الجديدة، بعد أن قطعنا الأمل من هذا الوصول، معتقدين أن الله سبحانه وتعالى قد اختارنا طعاما طيبا لأسماك المحيط الجائعة ...!
مررنا أولا بمضيق رائع المنظر عند بلدة «سانتوس»، فأنسانا جماله وفتنته ما لاقينا من عذاب غريبالدي «صبحا ومسا» على رأي ليلى بنت الصحراء ...!
وفي الميناء، عقب أن رست الباخرة، وأقصد القارب الذي حملنا، شاهدت «شحطا»، (والشحط على ما يتراءى لي من غير الرجوع إلى معاجم اللغة هو المارد الطويل العريض) واقفا تماما كما وقف ديلسبس على مدخل القنال، وقد ظننته لأول وهلة تمثالا رخاميا، إلا أنه راعني أن أجد سلاسل من ذهب تحلي صدره، وتتدلى إلى جيوب صديريته. وأخيرا عرفت أنه من إخواننا السوريين الذين يقابلون الرواد والسائحين، ليقودوهم إلى فندق المدينة. فتقدمت إليه وحييته، ثم أفهمته من أنا!! ولكنه هز كتفيه من غير مبالاة وقال: «شو بيكون كشكش هيك ... مغنواتي؟».
نامعلوم صفحہ