نهايته. فكرت كثيرا في طرق الإصلاح. فرأيت أن «كازينو دي باري» المجاور لنا، والذي تديره مدام مارسيل، «لانجلو»، ويعمل به الأستاذ علي الكسار، أقول رأيت بعد البحث الدقيق أن هذا الكازينو قد احتكر إقبال الجمهور، الذي كان يقصده زرافات ووحدانا ويملأ مقاعده ومقاصيره. ما العمل إذن؟
فلأوقف التمثيل في مسرحي ليلة أمضيها بهذا الكازينو لأدرس عن كثب علة هذا الإقبال وسببه.
لم أتوان لحظة في تنفيذ تلك الخطبة، فقصدت في الحال إلى دي باري وقضيت به ليلة كاملة (كمتفرج)، فأدهشني أن أرى أن كل ما هناك عبارة عن (استعراض) يغلب فيه العنصر الإفرنجي، وتتخلله بضع مواقف فكاهية يظهر فيها الأستاذ علي الكسار.
لم تكن تلك الاستعراضات تحوي موضوعا ما. ولا معاني خاصة، ولكن كانت فخامة المناظر وعظمتها، و«تابلوهات» الرقص ... هي كل ما يشتمل عليه البرنامج! يا لله!! مادام الأمر كذلك، فلماذا أتعب نفسي «وأشغل مخي» في الإتيان بالموضوعات، والبحث عن الروايات ذات المغزى. وما دام الجمهور يستريح ويقبل على النوع الاستعراضي فماذا يمنع أن نقدم له ما يشتهيه؟
أولى رواياتنا الاستعراضية
صممت بعد هذه السهرة على عمل رواية استعراضية، على شرط أن يكون العنصر المصري فيها غالبا على الإفرنجي، وأطلعت زميلي الأستاذ أمين صدقي على هذه النية. وفي الحال وضعنا «هيكل» رواية «حمار وحلاوة»، وبدأ الأستاذ أمين يضع أناشيدها على أوزان موسيقية مطروقة، بينما جعلت كل همي في ترتيب المناظر، و«توضيب» الستائر وإمداد الفرقة بما ينقصها من عناصر الرقص والإنشاد.
انتهت الرواية وأجرينا بروفاتها اللازمة، ورفعنا الستار عنها في أول ليلة، بعد أن «خرشمت» صحة الاحتياطي، وتلفت أمله وأنزلته من رقم الخمسين إلى الصفر، وأصبحت قبل رفع الستار ... إيد ورا ... وإيد قدام! فإما إلى الصدر، وإما إلى القبر. وأهي تخريمه يا صابت يا اتنين عور!!
كان إيراد الليلة الأولى 35 جنيها فقط. إنما الذي شعرنا به هو الاستحسان العام الذي قوبلت به الروايات من الجمهور وقد كان هذا الاستحسان أقوم إعلان لنجاحنا. فقد كان الإقبال يتزايد يوما عن آخر. ويكفي أن أقول لك بأن الخزينة عمرت في نهاية الشهر الأول، وقفز رقم الصفر الذي كان يحتلها إلى 400 جنيه.
لم يكن النجاح مقتصرا على الناحية المادية، بل هناك نجاح أدبي آخر، ملأ نفسي سرورا وقلبي انشراحا، ذلك أنه في إحدى الليالي طرق باب المسرح طارق، وجيء به إلي، فإذا هو أستاذي القديم (الشيخ بحر) مدرس اللغة العربية، الذي سبق أن قلت إن الفضل يعود إليه في تدريبي على إلقاء المحفوظات العربية في المدرسة بطريقة خطابية مقبولة.
جاء أستاذي الشيخ بحر يهنئني بعد مشاهدته الرواية، ويفاتحني بما شمله من سرور بنجاح تلميذه. وأقسم أيها السادة أن تهنئة الشيخ كانت عندي أكبر من مبلغ الأربعمائة جنيه التي عمرت بها خزانتي إذ ذاك.
نامعلوم صفحہ