المذكر والمؤنث
لأبي بكر بن الأنباري
تحقيق/
محمد عبد الخالق عضيمة
مراجعة/
د. رمضان عبد التواب
نامعلوم صفحہ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: [اعلم أن من] تمام معرفة النحو والإعراب معرفة المذكر و[المؤنث لأن]: من ذكَّر مؤنثًا أو أنث مذكرًا كان العيب لازمًا له كلزومه من نصب مرفوعًا أو خفض منصوبًا، وأنا مفسر في كتابي هذا - إن شاء الله- التأنيث والتذكير، ومبين ذلك بابًا بابًا، وأصلًا أصلًا، وفرعًا فرعًا، التأنيث والتذكير، ومحتجٌّ على التأنيث والتذكير بأشعار العرب ولغاتها، وذاكرٌ اتفاق أهل اللغة والنحو فيما اتفقوا فيه، واختلافهم فيما اختلفوا فيه، ومُسندٌ كل قولٍ إلى قائله؛ ليكون الناظرُ في كتابنا هذا والعارفُ له خارجًا عن جملة اللاحنين، ومباينًا جماعة المعيبين. أسأل الله المعونة على ذلك، والتوفيق للصواب.
1 / 51
باب
تفصيل الأسماء والنعوت المؤنثة
وذكر ما يجري منها وما لا يجري
اعلم أن الأسماء المؤنثة تنقسم على أربعة أقسام:
أحدهن: أن يكون الاسم المؤنث فيه علامةٌ فاصلةٌ بينه وبين المذكر كقولك: خديجة وفاطمة وأمامة وليلى وسُعدى وعفراء.
الهاء، والياء والمد فواصل المذكر والمؤنث.
القسم الثاني: أن يكون [الاسم] مُستغنىً بقيامِ معنى التأنيث فيه عن العلامة كقولك: [زينب ونوار] وهند ودعد وفَخِذ وما أشبه ذلك. معنى التأنيث قائمٌ فيهن، ولا علامة للتأنيث في لفظهن.
والقسم الثالث: أن يكون الاسمُ المؤنث مخالفًا لفظه لفظ ذكره، مصوغًا للتأنيث، فيصير تأنيثه معروفًا؛ لمخالفته لفظ ذكره مستغنىً فيه عن العلامة؛ كقولهم: جَدْي وعَناق وحَمَل ورخْل، وحمار
1 / 52
وأتان، فصار هذا المؤنثُ لمخالفته المذكرَ معروفًا يُغني عن العلامة، كقولهم: جدي وعناق، وحمل ورخل، وحمار وأتان، فصار هذا المؤنث لمخالفته المذكر معروفًا يغني عن العلامة وربما مالوا إلى الاستيثاق، وإزالة الشكِّ عن السامع، فأدخلوا الهاء في المؤنث الذي لفظهُ مخالفٌ لفظ ذكره. فمن ذلك قولهم:
شيخة، وعجوزة. أدخلوا الهاء على جهة الاستيثاق. والأكثر في كلامهم عجوز بغير هاءٍ؛ لخلاف لفظ الأنثى لفظ الذكر.
وقال السجستاني: العربُ لا تقول: عجوزة بالهاء.
وهذا خطأ منه؛ لأن أبا العباس أحمد بن يحيى أخبرنا عن سلمة عن الفراء قال: قال يونس: سمعت العرب تقول: [فرسة
1 / 53
وعجوزة] [ومثل هذا] أيضًا قولهم: رجلٌ وامرأة. أدخلوا الهاء في امرأة] [مع أن لفظها] مخالفٌ لفظ ذكرها؛ لأن ذكَرَها رجل، ويجوز أن [تكون المرأة] أنثى المرء، فتكون حينئذٍ مبنية على لفظ ذَكَرِها. ومن ذلك أيضًا قولهم: غُلامٌ وجاريةٌ. أدخلوا الهاء في الجارية على جهة الاستيثاق؛ إذ كان لفظها مخالفًا لفظ ذكَرِها.
ومن ذلك أيضًا قولهم: تيسٌ ونعجةٌ، ووعلٌ وأرويةٌ والوعِل: تيس الجبل، والأروية: شاةُ الجبل.
1 / 54
قال الأعشى:
كناطح صخرةً يومًا ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنهُ الوعِلُ
وقالوا: تيسٌ وعنز، فلزموا القياس، ولم يحتاجوا إلى الهاء، إذ كان لفظُ الأُنثى مخالفًا لفظ الذكَرِ؛ ولذلك قالوا: فرس ذكرٌ، وقالوا للأنثى: حِجر، فلم يحتاجوا إلى الهاء للعلة التي تقدمت، وقالوا: جمل وناقة، فأدخلوا الهاء في الناقة على جهة الاستيثاق؛ لأن لفظ الأنثى مخالفٌ لفظ الذكر، وربما بنوا الأنثى على لفظ الذكر في هؤلاء الأحرف، فقالوا: شيخ وشيخة، وغُلام وغُلامة، ورجلٌ ورُجلة.
قال الفراءُ: قال بعضهم: كانت عائشة ﵂ رَجُلة الرأي، وأنشد الفراءُ وغيره.
وتضحكُ مني شيخةُ عبشميةٌ ... كأن لم ترى قَبلي أسيرا يمانيا
1 / 55
عبشمية: منسوبةٌ إلى عبد شمس، ويُروى: كأن لم ترى على خطاب الأنثى، ورواية الفراء: كأن لم ترى. على الإخبار عنها وهي غائبة، وقال الآخر:
كل جارٍ ظلَّ مغتبطًا ... غير جيراني بنى جبله
خرّقوا جيبَ فتاتِهمُ ... لم يُبالوا حرمة الرجله
وقال الآخر - أنشده الفراءُ وغيره-:
ومُركضةٌ صريحيُّ أبوها ... يُهان لها الغُلامةُ والغُلامُ
1 / 56
المركِضة - بكسر الميم-: السريعة، ويروى: ومُركضة، بضم الميم، أي ولدها يتحرك في بطنها، وأنشد الفراءُ أيضًا:
فإنا بحمد الله لا يُوه عظمُنا ... وما زادنا إلا غنىً وتمامه
فلم أر عامًا كان أكثر هالكًا ... ووجه غُلام يُشترى وغُلامه
وقال الآخر:
وقيامه متبذلًا ... متطلبًا سِنة الغُلامه
القسم الرابع: [أن يكون الاسم الذي فيه] علامةُ التأنيث واقعًا على المذكر والمؤنث [كنعامة للذكر] والأنثى، وكذلك بقرةً وجرادةٌ. قال الفراء: [لم تُرِد بالهاء] هنا التأنيث المحض، إنما أرادوا
1 / 57
الواحد، فكرهوا أن يقولوا: عندي شاءُ، وبقر، وجرادٌ، وهم يريدون الواحد، فلا يقع بين الواحد والجميع فصلٌ، فجُعِلَت الهاءُ دليلًا على الواحد.
وقد يكون الاسم واقعًا على المذكر والمؤنث ولا علامة للتأنيث فيه؛ كقولهم: عقربٌ ذكرٌ، وعقربٌ أُنثى، ويقال: رأيت عقربًا على عقرب، وكذلك يقال: ضَبُعٌ ذكر، وضَبُعٌ أنثى. أنشد أبو زيد عن المفضل.
يا ضَبُعًا أكلت أيار أحمرةٍ ... ففي البُطون وقد راحت قراقير
هل غيرُ همزٍ ولمزٍ للصديق ولا ... تَنْكِى عدوكم منكم أظافير
قال السجستاني: أظنه يا ضُبُعا، بضم الضاد والباء. يريد الجمع؛ لقوله: ففي البطون وقد راحت قراقير. فجمع البطون. والقراقير:
1 / 58
جمع القرقر. فهذا الذي ذكره السجستاني. لم يروه أحدٌ على الجمع، وإنما الرواية على الواحد، والواحد قد يكفي من الجمع.
والأفعى: يقعُ على المذكر والمؤنث، وقد تقول العرب لذكر الأفاعي: الأفعوان. أنشد الفراء وغيره:
قد سالم الحياتُ منهُ القدما ... الأفعوانَ والشجاع الشجعما
1 / 59
ويقال لذكَرِ العقارب: "العُقرُبان"، بضم العين والراء وتخفيف الباء وقال أبو الحسن اللحيانيُ: "العُقرُبان" - بتشديد الباء: من دواب الأرض. يقال: إنه دخال الأُذن. قال: ويقال للعقرب الصغيرة الصفراءُ: "شبوة". أنشد الفراءُ:
قد بكرت شبوةُ تزبئرُّ ... تكسو استها لحمًا وتقطمر
ويقال لذكر الضباع: "ضِبْعَان". والنغران ليس بمنزلة الضِّبْعان. "الضِّبعان": ذكَرُ الضِباع، والنُّغران: جمع نُغَر، والنُّغَرُ طائر صغير أحمر المنقار. جاء في الحديث أن ابنًا لأمَ سليم كان يقال له أبو عُمير،
1 / 60
وكان له نُغَرٌ، فقالوا: يا رسول الله، مات نُغْرُه، فجعل يقول: يا أبا عُمير، ما فعل النغير؟ فالنغير: تصغير النُّغَر.
وقال الأصمعي: أخبرني أبو طُفيلة الحِرمازي قال: قال شيخ من أهل البادية: ضفت فلانًا، فجاءنا بخبزة من حنطة كأنها مناقير النِّغران. يعني جمع النُّغر.
وقال الأُموي: يقال لذكَرِ الضِّباع: ضِبعانٌ.
و"عِتبان". وقال الأحمر: يقال لذكر الضباع: "الذيخ"، وقال الفراء: يقال للذكر: هو "العيلامُ".
1 / 61
و"العُقاب": يقعُ على المذكر والمؤنث. يقال: عُقابٌ ذكرٌ، وعقابٌ أنثى، ويقال للأنثى: "لِقوة".
و"البرذون": يقع على المذكر والمؤنث. يقال: بِرذون ذكرٌ، وبرذون أُنثى، وربما بنوا الأنثى على الذكَرِ، فقالوا: بِرذونةٌ. قال النابغة الجعدي:
ألا حَيِّيَا لَيلَى، وقولا لها: هلا ... فقد ركبت أمرًا أغرَّ مُحجلا
1 / 62
وبِرْذونةٍ بلَّ البراذينُ ثفرها ... وقد شربت في أول الصيف أُيلا
"الأُيَّل": جمعه أيائل، وألبان الأيائل تُهيج طاعمها، و"الأُيل": تيسٌ من تُيوسِ الجبل، وأنشد هشام بن معاوية:
أريت إذا جالت بك الخيلُ جولةً ... وأنت على برذونةٍ غير طائل
و(البعير): يقعُ على المذكر والمؤنث. حكى الأصمعي عن بعض العرب:
شربتُ من لبن بعيري، وصرعتني بعيرٌ لي، وقال الأصمعي:
1 / 63
البعير بمنزلة الإنسان. يقال: هذا بَعِير، وهذه بَعِير؛ كما يقال: هذا إنسانٌ، وهذا إنسان.
و"الجمل" لا يكون إلا للذكر، وقال هشام: العربُ تقول: شربت لبن بعيرك ولا تقول: شربت لبن جَمَلك.
و"البكر" من الإبل عند العرب بمنزلة الفتى من الناس.
و"القلُوص" عندهم بمنزلة الجارية، فاكتفوا بخلاف لفظِ
1 / 64
القَلُوص لفظ البكر من إدخال علامة التأنيث؛ كما قالوا: حمارٌ وأتان، وقد حُكي عن العرب:
حمارٌ للذكر، وحِمارة للأنثى، ولم يحك عن أكثر العرب: بكرةٌ للأنثى. إنما يقال لها: قلوص. قال الراجز العُذرِيُ:
يا أيها البكرُ الذي أراكا ... عليك سهل الأرض في ممشاكا
ويحك هل تعلمُ من علاكا؟ ... أكرمُ شخصٍ ضمَّه شرخاكا
إن ابن مروان علا ذُراكا ... خليفةُ الله الذي امتطاكا
لم يحب بكرًا مثل ما حباكا
وقال عُروة بن حِزام:
فوالله ما حدثتُ سرك صاحبا ... أخًا لي ولا فاهت به الشفتان
سوى أنني قد قلت يومًا لصاحبي ... ضحىً وقلوصانا بنا تخدان
1 / 65
تحملتُ من عفراء ما ليس لي به ... ولا للجبال الراسيات يدان
الوخدُ: ضرب من السير، وقد يقولون أيضًا: بكر وبكرة، فيبنون الأنثى على لفظِ المذكرِ. قال عروة:
أكلفُ من عفراء تستين بكرةً ... وما لي يا عفراءُ - غيرُ ثمانِ
و"الأسدُ": يقع على المذكر والمؤنث. يقال: أشد ذكر، وأسد أنثى، وربما أدخلوا الهاء، فقالوا: أسد وأسدة، ويقال للأنثى: "اللبؤة"، بفتح اللام وضم الباء والهمز.
وقال السجستاني: أظن أنهم ألحقوا الهاء؛ لأنه كان يقال للأسد: "اللبؤ"، فذهبت هذه اللغةُ، ودرست، وليس هذا عندي كما قال؛ لأنه لم يحكِ أحد من أهل اللغة: اللبؤ بغير هاء.
1 / 66
وفي اللبؤة أربعة أوجه: اللبؤة، بضم الباء مع الهمز، واللبأة على وزن الحمأة، واللبة على ترك الهمز كما تقول في الحمأة إذا تركت همزها: حمة، ويقال اللبوة على مثال الجوزة.
وقال هشام بن إبراهيم الكرنبائي: حكى أبو عبيدة عن بعضهم: لِبْوة - بكسر اللام.
وقال هشام الكرنبائي: لا أدري: أثَبَتٌ هي أم لا.
فمن قال: لَبُؤة قال في الجمع لَبُآت، ومن قال: لَبوة قال في الجمعِ: لَبَوَات ولَبْوات حكاهما الكرنبائي ومن قال: لبأة قال في الجمع: لبآت.
قال الفراءُ: ربما جعلت العربُ عند موضع الحاجة الأنثى مفردةً
1 / 67
بالهاء، والذكر مفردًا بطرح الهاء؛ فيكون الذكر على لفظ الجمع. من ذلك قولهم: رأيت نعامًا أقرع، ورأيت حمامًا ذكرا، ورأيت جرادًا على جرادة، وحماما على حمامة.
يريدون ذكرًا على أنثى، وقال الفراء: أنشدني بعض العرب:
كأن فوق متنه مسرى دبا ... فردٍ سرى فوق نقاغب صبا
1 / 68
أراد الواحد من الدبا.
وقال هشام بن إبراهيم الكرنبائي: قال الأصمعي: سمعت رجلًا من بني تميم يقول: بيضُ النعامةِ الذكر. يريد الظليم، وقال الفراءُ:
"سمعتُ الكسائي يقول: سمعت كل هذا النوع من العرب بطرح الهاء من ذَكَره، إلا قولهم: رأيت حيةً على حيةٍ، فإن الهاء لم تُطرح من ذكره، وذلك أنه لم يقل: حيةٌ وحيٌّ كثير؛ كما قيل: بقرةٌ وبقرٌ كثير، فصارت الحية اسمًا موضوعًا؛ كما قيل: حِنطة وحِبة، فلم يُفرد لها ذكرٌ وإن كانت جمعًا، فأجروه على الواحد الذي قد يجمعُ التأنيثَ والتذكير.
ألا ترى أن ابن عرسٍ، وسامَّ أبرص، وابن
1 / 69