388

ولا تقتضى حكمة هذه اللغة الشريفة ، التي هي سيدة اللغات ، الا ذلك.

ولذا : اسقط الواضع حروفا كثيرة ، في تأليف بعضها مع بعض استثقالا واستكراها ، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء ، والخاء والعين وكذلك : لم يؤلف بين الجيم ، والقاف ولا بين اللام ، والراء ولا بين الزاء والسين .

وكل هذا دليل : على عنايته بتأليف المتباعد المخارج ، دون المتقارب.

ومن العجب : انه كان يخل بمثل هذا الأصل الكلي في تحسين اللغة ، وقد اعتنى بامور اخرى جزئية ، كمماثلته بين حركات الفعل في الوجود ، وبين حركات المصدر في النطق ، كالغليان ، والضربان ، والنقدان ، والنزوان ، وغير ذلك : مما جرى مجراه ، فان حروفه جميعها متحركات ، وليس فيها حرف ساكن ، وهي مماثلة لحركات الفعل (اللغوي) في الوجود.

ومن نظر في حكمة وضع هذه اللغة : الى هذه الدقائق ، التي هي كالأطراف والحواشى ، فكيف كان يخل بالأصل ، المعول عليه في تأليف الحروف بعضها الى بعض.

على انه لو اراد الناظم او الناثر : ان يعتبر مخارج الحروف عند استعمال الألفاظ ، وهل هي متباعدة او متقاربة ، لطال الخطب في ذلك وعسر ، ولما كان الشاعر ينظم قصيدا ، ولا الكاتب ينشىء كتابا ، الا في مدة طويلة ، تمضي عليها ايام وليالى ذوات عدد كثير.

ونحن نرى الأمر : بخلاف ذلك ، فان حاسة السمع ، هي الحاكمة في هذا المقام : بحسن ما يحسن من الألفاظ ، وقبح ما يقبح.

وسأضرب لك في هذا مثالا فاقول : اذا سئلت عن لفظة من

صفحہ 390